لم يكن استهداف الكوادر من علماء، وباحثين، وأطباء، وعسكريين عراقيين، وليد لحظة الغزو الأمريكي للعراقي التاسع من أفريل 2003، بل بدء التمهيد لفصول مسلسل عمليات الاغتيالات من قبل الغزو، خاصة وأن قوة العراق تنبع من قوة بنيته البشرية، المعرفية والتطبيقية، وأضحت الكوادر العراقية في واجهة الاستهداف المخابراتي »الإيراني والإسرائيلي برعاية أمريكية«، وبحسب مراقبين فإن عمليات الاغتيال مازالت مستمرة في خطة مرسومة ومحاكة بدقة، وأنها ليست عشوائية وإنما تهدف لإفراغ العراق من مقومات نهضته وقتل أحلام هذه الشريحة وطموحاتها. يقول الباحث السياسي المختص في الشؤون العراقية الدكتور وليد الزبيدي في حديث خاص مع »إسلام أون لاين«: »المشروع الإيراني في العراق، استهدف منذ الغزو الأخير كبار الطيارين والضباط العسكريين الذين شاركوا في حرب الثماني سنوات »الحرب العراقية الإيرانية« حيث مارست الأذرع الإيرانية في العراق خطة استهداف الطيارين الذين شاركوا في قصف جزيرة خرج الإيرانية عام 1984«، مضيفاً :»أن تقاطعات المشروع الإيراني الأمريكي ساهمت في استهداف عدد من العلماء والباحثين العراقيين«. دواعي الاستهداف وفيما يتعلق بعمليات الموساد، يشير الدكتور الزبيدي إلى أن الموساد رصد خطة _ قبل الغزو ونجح في استهداف الكثير منهم بعد الغزو _ لاستهداف أكثر من 500 عالم عراقي مرتبطين ببرنامج التسليح العراقي والخطط العسكرية للجيش العراقي، وهذه حقيقة واضحة للجميع«، ولم تتوقف عمليات الاغتيال عند الشخصيات والعلماء العسكريين، بل تعدته - وبحسب الزبيدي- إلى إنهاء ما أطلق عليه »الرمزية البطولية لأجيال العراق القادمة«. فيما قال الزبيدي إن مرحلة جديدة بدأت من عمليات التصفية على أيدي ساسة العراق منذ عام 2005 إبان فترة رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري، وامتدت حتى الوقت الحالي برئاسة نوري المالكي، وهي استهداف التعليم العالي، والبحث العلمي، واستهداف المقار التعليمية، واعتقال آباء الطلبة لعدم خوض الدراسة التعليمية، وأدت هذه السياسة التي تخدم الأجندة الإيرانية، إلى وجود 6 ملايين أمي في العراق بعد عملية الغزو الأمريكي الأخير، وتهدف هذه السياسة إلى استهداف »الرمزية التعليمية العراقية«. ويرى الزبيدي أن عمليات الاغتيال تهدف إلى نزيف العقول العراقية وهجرتها. ويعيش أساتذة الجامعات العراقية والكفاءات العلمية محنة قاسية مؤلمة، في الوقت الذي ينذر فيه مستقبل التعليم الجامعي ومؤسساته الأكاديمية بخطر كبير يهدد المسيرة العلمية ودورها في نهضة البلاد بعد سنوات من احتلاله. وتشير آخر إحصائية استطعنا توفيرها من »مصادر خاصة« إلى أن عدد الاغتيالات بحق أطباء وأساتذة جامعات، وباحثين عراقيين وصل إلى 430 اغتيال في العام 2009 وحده. الوجود الإسرائيلي فيما يشير مدير قسم دراسات الأمن والدفاع بمركز الخليج للأبحاث مصطفى العاني إلى أن التصفيات الجسدية الخارجية التي يقوم بها »الموساد« تمثل جزءاً من سياسة إسرائيل الدفاعية والأمنية، ويقول: »هناك اعتقاد كامل لدى القيادة الإسرائيلية العليا أن سياسة التصفيات الجسدية لأعداء إسرائيل هي سياسة أمنية ناجحة جداً«. ويشير العاني إلى أن الوجود الإسرائيلي عبر جهاز »الموساد« في العراق يمتد لأكثر من 40 سنة، عبر تمركزه في منطقة كردستان شمال العراق حيث كانت المنطقة تدار بحكم ذاتي وعلى خلاف مع سلطة بغداد المركزية إبان النظام السابق، مضيفاً »أن المخابرات العراقية اتهمت الموساد بعمليات اغتيال لعدد من العلماء داخل العراق، المرتبطين ببرنامج التسليح العراقي«. الكفاءات.. والهجرة الداخلية ويقول أحد الصحافيين العراقيين -فضل عدم الكشف عن هويته _ إن مسلسل عمليات الاغتيال بدأ يأخذ منحى أكثر خصوصية تمثل باستهداف الكفاءات العلمية من أهل السُّنة في ظاهرة أطلق عليها »اتجاهاً طائفياً«، خصوصاً مع سيطرة الأحزاب ذات النفس الطائفي على الوزارات وبدأت بتقاسم كعكة الحكم بشكل طائفي. فتم اغتيال رؤساء الأقسام والعمداء، وتلقى الكثير من الأساتذة السُنة رسائل تهديد بمغلف يحوي رصاصة بندقية في إشارة إلى أن القتل مصير من يتجاهل هذا التهديد وطالبوهم بعدم الاستمرار بالدوام الرسمي. وكنتيجة لهذا المخطط وجدية التهديدات التي وجهت لعدد كبير من الكفاءات العراقية، بدأ الكثير منهم يطلب إجازة بدون مرتب لمدة سنة في وقت قرر العشرات منهم الانتقال للتدريس في جامعات كردستان في المحافظات الكردية بشمال العراق (أربيل، السليمانية، دهوك) التي تتمتع باستقرار الوضع الأمني فيها، وكانت هذه الظاهرة أولى ظواهر الهجرة الداخلية لأساتذة الجامعات العراقية. ويرى محلل سياسي عراقي أن تجهيز فصول عمليات الاغتيال بدأ قبل مرحلة الغزو الأمريكي وذلك عبر استجواب العلماء العراقيين من قبل لجان التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل إبان نظام صدام وفق مواد القرار 1441 لمجلس الأمن والذي أصرت واشنطن على أن يتضمن بنداً حول استجواب هؤلاء العلماء وكشوف أسمائهم وعناوينهم، واستفادت مخابرات دولية »إسرائيل وإيران« من ذلك، لأنهم يعلمون جيداً أن المشروع العراقي القومي لن يُجهض إلا بإبادة القائمين عليه وتدمير أحلامهم العلمية بعد تدمير مراكز أبحاثهم ومؤسساتهم والقضاء على الصرح العلمي العراقي الذي ضم آلاف العلماء. * تجهيز فصول عمليات الاغتيال بدأ قبل مرحلة الغزو الأمريكي وذلك عبر استجواب العلماء العراقيين من قبل لجان التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل إبان نظام صدام وفق مواد القرار 1441 لمجلس الأمن والذي أصرت واشنطن على أن يتضمن بنداً حول استجواب هؤلاء العلماء وكشوف أسمائهم وعناوينهم، واستفادت مخابرات دولية »إسرائيل وإيران« من ذلك، لأنهم يعلمون جيداً أن المشروع العراقي القومي لن يُجهض إلا بإبادة القائمين عليه وتدمير أحلامهم العلمية بعد تدمير مراكز أبحاثهم ومؤسساتهم والقضاء على الصرح العلمي العراقي الذي ضم آلاف العلماء.