العلاقات التي تجمعنا "تاريخية خالصة" وهي " أصيلة متأصلة    الجزائر، بهذا المجال، ثمنت "عاليا" العنصر البشري وقيم الابتكار    تأكيد استعداد الجزائر لتكثيف جهودها لدعم الدول الإفريقية    قطاعه "يولي أهمية بالغة للرقمنة، والتسيير الإلكتروني"    الدفع الالكتروني ضمن طرق الدفع المقترحة لشراء الاضاحي    أمن ولاية الجزائر: حجز أكثر من 75 مليون سنتيم مزورة    حجز ما يقارب 3800 كبسولة من المؤثرات العقلية    افتتاح "قمة إفريقيا لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات 2025"    أنقرة تدعّم المقاربة الجزائرية لتسوية الأزمات الإقليمية    ملف الذاكرة قضية أمة.. وليس ريعا استعماريا    نتيجة مخيبة ل"السي يا سي"    التجسيد الفوري لتوجيهات الرئيس يسرّع الاستثمارات    دور ريادي للجزائر في مكافحة الإرهاب    وضعية مقلقة لمنصف بكرار في البطولة الأمريكية    عودة الرحلات التجارية ل"تليفيريك" قسنطينة    54 مشروعا جديدا لتوصيل الألياف البصرية إلى المنازل    الرابطة تنظم إلى "الفاف".. تحذر الأندية وتتوعد بعقوبات شديدة    وزير الخارجية التركي: الجزائر إحدى ضمانات الاستقرار في المنطقة    الجزائر تمنح الإبداع حضورا مميزا    نوتات عابرة للحدود.. من طوكيو إلى القاهرة مرورًا بسيول    صناعة الألواح الشمسية: مجمع "لونجي" الصيني يبدي اهتمامه بالاستثمار في الجزائر    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    وفد برلماني يزور فيتنام لتعزيز التعاون بين البلدين    أجال اقتناء قسيمة السيارات تنتهي نهاية أفريل    تمكين زبائن "بريد الجزائر" من كشف مفصّل للحساب    مواعيد جديدة لفتح أبواب جامع الجزائر    جيش الاحتلال يواصل جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين.. استشهاد 10 فلسطينيين جراء استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة    المغرب: تنديد حقوقي بالتضييق على مسيرتين بالدار البيضاء و طنجة رفضا لاستقبال سفن محملة بأسلحة إبادة الفلسطينيين    اليمن يُهاجم هدفين إسرائيليين في الأراضي المحتلة..استهداف حاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" والقطع التابعة لها    "براغ تلتقي بالجزائر .. رحلة سينمائية وإبداعية" : لقاء سينمائي دولي لتعزيز التبادل الثقافي وتطوير الكفاءات    الصين : بكين تعارض إبرام دول أخرى صفقات مع واشنطن على حسابها    كرة القدم/الرابطة الأولى موبيليس: الكشف عن التشكيلة المثالية للجولة    ورقلة..برنامج هام لتدعيم شبكات توزيع الكهرباء في الصيف المقبل    أبواب مفتوحة بتيزي وزو:"الخدمة الوطنية مدرسة لصناعة الرجال وتعزّز الشعور بالإنتماء للوطن"    بوغالي يعزي في وفاة عضو مجلس الأمة البروفيسور وليد العقون    كرة القدم / الرابطة الأولى موبيليس - الجولة ال24 : تأجيل لقاء شبيبة الساورة - اتحاد الجزائر إلى يوم السبت 26 أبريل    وفاة الفنانة بادي لالة عميدة فن التيندي    وزارة التربية تعكف على وضع استراتيجية لتحسين ظروف الدراسة في المؤسسات التعليمية    الشباك الوحيد وهيئتا التصدير والاستيراد: اضفاء شفافية أكبر على الاستثمارات وتعزيز مكانة الجزائر الاقتصادية دوليا    مكافحة المعلومات المضللة : الاتحاد الإفريقي يجدد اشادته بدور الجزائر الريادي في مكافحة الإرهاب    صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها    سِباق مثير بين المولودية وبلوزداد    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51240 شهيدا و116931 جريحا    مؤتمراتحاد عمال الساقية الحمراء ووادي الذهب: التأكيد على مواصلة النضال لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الصحراوي    العنف يُخيّم على الكرة الجزائرية مجدّداً    قسنطينة : اختتام الطبعة 14 للمهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي    موضوع ندوة علميّة : إبراز جهود جمعيّة العلماء المسلمين في النّهوض بالمرأة والأمّة    توثيق جديد للفهد "أماياس" بشمال الحظيرة الثقافية للأهقار    انطلاق تظاهرة شهر التراث    توعية النواب حول مخاطر اختراق الهواتف النقّالة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    صادي يجتمع بالحكام    سايحي: "تطوير مصالح الاستعجالات " أولوية قصوى"    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة الأرض بيّنة على التوحيد
نشر في أخبار اليوم يوم 26 - 12 - 2010

منذ القدم والسائد هو التَّوَهُّم بالأرض المُسَطَّحَة الثابتة، وبثبات النجوم، وبأن الأجرام السماوية تتحرك بحركة أفلاك شَفَّافَة بلا حركة ذاتية حتى جاء عصر العلم فمحاه، ووفق صريح القرآن الكريم منذ القرن السابع الميلادي: الأرض كروية وكل جرم في الكون يجرى بحركة ذاتية في مدار مُقَدَّر الأجل؛ يقول تعالى: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ الزمر: 5.
قال ابن حزم (رحمهم الله تعالى جميعا): "إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم يُنكروا تكوير الأرض، ولا يُحفظ لأحد منهم في دفعِه كلمة؛ بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها..، (والتكوير) مأخوذ من كور العمامة؛ وهو إدارتها"، وقال سيد قطب: "(يُكَوّرُ اللّيْلَ عَلَى النّهَارِ وَيُكَوّرُ النّهَارَ عَلَى اللّيْلِ) ..تعبير عجيب يقسر الناظر فيه قسراً على الالتفات إلى ما كُشِفَ حديثاً عن كروية الأرض..، فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس؛ والجزء الذي يواجه الشمس من سطحها المكور يغمره الضوء ويكون نهاراً، ولكن هذا الجزء لا يثبت لأن الأرض تدور، وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار، وهذا السطح مكور؛ فالنهار كان عليه مكوراً والليل يتبعه مكوراً كذلك..، (و)النهار من الناحية الأخرى يتكور على الليل، وهكذا في حركة دائبة..، واللفظ يرسم الشكل ويحدد.. (للأرض) حركتها"، وقال الشيخ محمد متولي الشعراوي: "(بالنسبة) إلى قضية.. دوران الأرض..: هل يستطيع أحد أن يحكم على مكان.. كله يتحرك بما هو فيه، إنك لا تستطيع أن تدرك أنه متحرك..، لماذا؟، لأنك لا تعرف حركة المتحرك إلا إذا قسته مع شيء ثابت، ولا شيء ثابت لأن الأرض كلها تدور".
معجزة قرآنية
استخدمت قديما رواسي حجرية تمتد عميقا لتثبيت السفن الطافية على السطح فوق تيارات المحيط، فما أشبهها بامتدادات جذور الجبال لتثبيت الألواح القارية الطافية على السطح فوق تيارات الباطن.
ومن المعلوم أن الألفاظ متعددة الدلالة كلفظ (الأرض) يتعين من دلالاتها المناسب والأليق بكل مقام، وقد يرد لفظ (الأرض) للدلالة على مسميات مختلفة كالكوكب أو غلافه الصخري السطحي أو البلد؛ أو حتى التربة والغبار كما في التعبير: ﴿بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ﴾ البقرة: 71، ومن تفوته القرائن قد يحمل لفظ (الأرض) على وجه غير لائق بالمقام، والمعلوم حاليا أن الجبال امتدادات سطحية بالغلاف الصخري المقسم إلى قطع متجاورات تسمى الألواح القارية، وتقوم الجبال الممتدة عميقا بتثبيت تلك الألواح فوق تيارات الباطن كما تفعل أوتاد الخيمة بعد أن كانت تميد وتضطرب عند بداية تكونها، وما أشبه الجبال إذن بالرواسي الصخرية التي استخدمت قديما لتثبيت السفن الطافية فوق تيارات المحيط دونها، وفي قوله تعالى: ﴿وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ النحل: 15؛ الأليق بالمقام حمل لفظ (الأرض) على قِطَع الغلاف الصخري للكوكب المسمى قشرة الأرض، فتتجلى للقرآن معجزة لإنبائه بغيب، ومع تثنية النبأ تتأكد المعجزة وتتأيد دلالة لفظ (الأرض) على قِطَع الغلاف الصخري لا الكوكب في قوله تعالى: ﴿أَمّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ﴾ النمل: 61، وقوله تعالى: ﴿اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً﴾ غافر: 64، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَاداً. وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً﴾ النبأ: 6و7، وتكفي قرينة وصف الأرض بمهاد الصبي كفراش مبسوط فوق الأرض يحميه مما هو دونه من أخطار لتؤيد دلالة لفظ (الأرض) على الطبقة السطحية وتدفع توهم الدلالة على ثبات الكوكب. ووفق علم الفلك الأرض كروية تدور حول نفسها ويدور القمر حولها وتدور معه حول الشمس في فلك "أوربيت" يخصها، وتدور الشمس بالمثل ومعها الأرض وبقية التوابع حول مركز المجرة، وهكذا كل جرم في الكون يدور في فلك مُقَدَّر السرعة والأجل يخصه فلا تتعارض الأفلاك؛ فما لنا نحسب الأرض ساكنة؛ لأننا نعتلي ظهر دابة تمر بنا يوميا وسنويا فتبدو لنا معالمها ساكنة، ووفق علم الفيزياء Physics حركة كل الأجرام نسبية؛ ووفق ما يبدو بالنظر نحسب كل حشود النجوم ثوابت وهي على الحقيقة متحركة، وكذلك الأرض؛ فلا يُعاين حركتها حول الشمس إلا مراقب خارج النظام الشمسي، وما توصل إليه علم الفلك بعد جهود مضنية لقرون إنما هو قائم على استنتاج لا مُعاينة، إنه حقيقة النظام لا المشهد المرصود. وفي القرآن الكريم قد وُصِفَت النجوم بالنسبة للبشر بالثبات حتى أنها اتخذت معالم سماوية لبيان الموضع والاتجاه كمعالم الأرض في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ الأنعام: 97، وقوله تعالى: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ النحل: 16، وضمير الغيبة العائد إلى الناس (هُمْ) يجعل ثبات النجوم منسوب لهم؛ أي وفق ما يشاهدون، وكذلك التعبير (لَكُمُ)، وقد يرد وصف الأجرام بالحركة مُجَرَّدًا من النسبة للبشر شاملا للنجوم على وجه الحقيقة بخلاف السائد من كونها ثوابت في النظر كما في قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾ الأعراف: 54؛ أي مسيرات بتقديره تعالى كل منها في فلك يخصه مقدر السرعة والمدة بلا صدام، قال ابن كثير: "النجوم الثوابت والسيارات في أرجاء السماوات.. كل منها يسير في فلكه الذي جعله الله تعالى فيه يسير بحركة مُقدرة لا يزيد عليها ولا ينقص منها"، وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ الرعد: 2؛ يخلو كذلك من النسبة للبشر فهو على وجه الحقيقة لا ما يبدو بالنظر، ولم يُذْكَر سوى الشمس والقمر، ولكن التعبير (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) مدَّ الوصف بالحركة المُقَدَّرَة ليشمل كل الأجرام في الكون، قال القاسمي: "التنوين في لفظ (كُلٌّ) عوض عن الإضافة (للأجرام)؛ والمعنى كل واحد.. في فلك خاص به يسبح بذاته"، وقال ابن عطية: "والشمس والقمر في ضمن ذكرهما ذكر الكواكب (والنجوم)، ولذلك قال (كل يجري لأجل مسمى)؛ أي كل ما هو في معنى الشمس والقمر من (المسخرات)..، وقال ابن عباس..: قدر لكل منهما سيراً خاصاً.. بمقدار خاص من السرعة"، وقال الألوسي: "(كُلٌّ يَجْرِى) يسير في المنازل.. (لأجل مُّسَمًّى) أي وقت معين.. ليُتم دورته، وهو المروى عن ابن عباس، وقيل (كل يجري) لغاية ينقطع دونها سيره.. وهذا مراد مجاهد من تفسير الأجل المسمى بالدنيا..، والتفسير الحق ما رُوِىَ عن الحبر؛ وأما الثاني فلا يُناسب (مقام) التسخير والتدبير"، وقال ابن عاشور: "المراد تعميم هذا الحكم للشمس والقمر وجميع الأجرام وهي حقيقة علمية سبق بها القرآن".
"..لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا"
طول الشهر بالنسبة للنجوم يقل عن الشهر القمري حوالي يومين بسبب حركة الأرض حول الشمس أثناء حركة القمر حولها.
وبالمثل في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا﴾ الكهف: 86؛ ليس عند جرم الشمس قوم يقطنون ولا هو فعليًّا يغرب يوميًّا في عين؛ وإنما الوصف قائم على ما يبدو للناظر لأنه منسوب لذي القرنين في التعبير (وَجَدَهَا) و(وَوَجَدَ عِنْدَهَا)، يعني: وفق ما تراءى له عند شاطئ المحيط الغربي، وفي مقابل الحركة الظاهرية للشمس تلك ورد وصف حركتها الفعلية في فلك يخصها مُجَرَّدًا من النسبة للبشر، قال تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ يس: 38-40، وحركة الشمس سريعة وُصِفَت بالجري بخلاف الحركة اليومية الظاهرية البطيئة التي لا يناسبها الوصف بالجري، قال الألوسي: "فيه دليل على أن الشمس متحركة.. على مركز آخر كما تتحرك الأرض عليها"، وأن: "للثوابت حركة"، ويفيض الوصف بتقدير الحركة، ففي التعبير: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)؛ تصريح بأن للقمر فلك يقطعه بالنسبة لمنازله النجومية من هلال بداية الشهر حتى هلال آخره حيث يعود كهيئة عود الشمروخ الجاف الأصفر المقوس حامل التمر في النخيل، وبالفعل دورة القمر بالنسبة للنجوم تقل عن الشهر القمري فترة المحاق وتبلغ حوالي 27 يوما وثلث وتسمى بالشهر النجمي Sidereal month، وزيادة الشهر القمري تُفَسَّر فلكيًّا بتحرك القمر مع الأرض حول الشمس أثناء حركته حولها، وفي التعبير: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ)؛ دلالة على أن القمر أسرع، وهو كذلك بالفعل لأنه يزيد بحركته حول الأرض وحركته معها حول الشمس.
"َوكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"
وفي التعبير: (وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)؛ نفي سبق الليل للنهار كجهتين للأرض يستقيم مع دوام حركتها هي في مدارها، وتقديم الليل في مقام الحركة يعني أن الحركة جهته أسرع، وفلكيًّا جهة الليل بالفعل أسرع لأن سرعة الأرض حول نفسها في نفس اتجاه سرعتها حول الشمس فتضم إليها؛ بينما تُخصم جهة النهار، وفي قوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾ الأعراف: 54؛ لا توجد نسبة للبشر فهو قائم على الحقيقة لا ما يبدو للناظر من الأرض، وجعل الليل ولازمه الظلام فوق طبقة النهار ليعم الفضاء حقيقة علمية، ووصف النهار بالحركة الحثيثة العاجلة ليحل محله على الدوام ظلام الفضاء يستقيم مع حركة الكوكب في مداره، قال جوهري: "أرضنا (إذن) دائرة غير دائرة نحن نراها ساكنة ولكنها دائرة لا تهدأ"، "ومن جملة سيارات شمسنا هذه الأرض التي نحن عليها والقمر ملتزم بها ويدور عليها ومعها على الشمس"، إذن: "دوران الأرض حول الشمس ليس غير مخالف للقرآن فحسب؛ بل له منه دلائل".
ويلاحظ المراقب تزايد الشهب في الكثرة والسرعة بعد منتصف الليل لتبلغ الدرجة القصوى فترة الصبح باعتبارها جبهة الأرض خلال مسارها في مدارها حول الشمس، وهي نفس الفترة التي اختارها القرآن الكريم لبيان أقصى شدة للارتطام والدمار بالأحجار النيزكية، قال تعالى: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ. فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ هود: 81-83، وقال تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ الحجر: 73و74، وبالفعل يكون الارتطام على أشده عندما تواجه الأرض النيزك بجبهتها فترة الشروق خلال حركتها في مدارها حول الشمس مضيفة سرعتها نحوه إلى سرعته نحوها؛ بخلاف الجهة المقابلة فترة الغروب حيث تُخصم سرعتها من سرعته فتقل قوة الارتطام. فما أشبه كوكب الأرض إذن بدابة يمتطي الناس ظهرها فتمضي بهم ليمرون على المعالم حولهم؛ فتبدو لهم المعالم السماوية مارة من الشرق إلى الغرب والأرض ساكنة، والحقيقة أنهم هم الذين يمرون على المعالم السماوية كما يمر راكب الدابة على معالم الأرض؛ أليس هذا هو المضمون في قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ يوسف: 105، فهم الذين يمرون على المعالم السماوية وهم على ظهر الأرض بيانا لحركتها اليومية والسنوية كما يمرون على معالم الأرض وهم على ظهر المركوبات ولا يعتبرون ببديع الصنع ووحدة التصميم والتقدير، ووصف الحركة الفعلية مجرد من النسبة للبشر؛ وجاء التعبير عن حركة الأرض بمرور من على سطحها كشهود على دلائل القدرة ووحدة التقدير، قال الألوسي: "الآية في السماوات.. أي.. من الأجرام الفلكية"، وقال ابن كثير: "ما زُينت به من.. الثوابت والسيارات"، وفي الميزان: "لو حُمل قوله (يَمُرُّونَ) على التصريح دون الكناية كان من الدليل على .. حركة الأرض..، فإنا نحن المارون على الأجرام السماوية بحركة الأرض (اليومية والسنوية)..؛ (بعكس) ما يُخيل إلينا في ظاهر الحس". وكما رأيت وفق ما كشفه العلم حديثا مُفَسِّرًا ومُؤَيِّدًا للقرآن الكريم؛ في الكون نظام يوحد حركة الأجرام يستحيل أن تخالفه الأرض فتخرج على القانون وتخرق وحدة التقدير، فهي مسخرة ولا تملك لنفسها اختيار؛ ولذا حركتها ضمن حشود الأجرام في الكون ليشملها نفس التصميم شهادةً تعلنها كسواها على وحدانية المبدع القدير، وأما كشف خفايا التكوين في تعبير وصفي دقيق وعميق يعتمد التمثيل الغني بالمضامين؛ فيتجاوز أفاق المعارف زمن التنزيل ليشهد للكتاب الكريم جازمًا بالوحي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.