أثارت تصريحات أطلقتها مارين لوبان قبل أسبوع وصفت فيها صلاة المسلمين بفرنسا خارج المساجد بأنه احتلال نازي ثان، وأنه وجب لذلك وضع حد لهذا "الاحتلال" و لهؤلاء "المحتلّون" الجدد، أثارت هذه التصريحات ضجّة، بفرنسا والعالم العربي والإسلامي. لوبان وصفت صلاة المسلمين في الشوارع بأنها شكل من أشكال النازية، بدون دبابات ولا جنود ولا أسلحة، ولكنها، تقول، تُعتبر نازية أخرى، لكن تصريحات مماثلة ليست غريبة على امرأة تتبع خطوات والدها مُؤسس الجبهة الوطنية الفرنسية جون مارين لوبان، والذي أفنى حياته، او يكاد يُفنيها في محاربة المهاجرين خاصّة ذوي الأصول المغاربية والمسلمين، والذين يُقلقونه بالدرجة الأولى، ولطالما اعتبرهم جرثومة وجب استئصالها. ما يُقلق لوبان وغير لوبان من المتطرّفين المعادين للإسلام ليس أنّ المسلمون يُكّونون جماعات، أو طوائف، ولا هددوا أمنا، كما يدّعي هؤلاء، ولاشيء، ولكن مُجرد حفاظهم على الدين الإسلامي، جعل هؤلاء المُتطرفين يُحاربونهم ويُحاولون أن يعثروا لهم على حجج، ولو كانت واهية لطردهم، وتضييق الخناق عليهم. ما يُقلق هؤلاء، أو ما يُثير غيرتهم هو الاندماج الايجابي للمسلمين في البلدان الأوروبية، وأنهم، ورغم أنّ الكثيرين منهم لم يعرفوا غير فرنسا وطنا لهم، أي أنهم تربوا وكبروا بفرنسا، إلاّ أنهم، مع ذلك، بقوا محافظين على دينهم الإسلامي، وبقوا محافظين كذلك على شعائره، ولا أدّل على ذلك من امتلاء المساجد أيام الجمعة، واضطرارهم إلى الصلاة خارجا. الكثير من المهاجرين إلى فرنسا، او الفرنسيين المسلمين عرفوا كيف يندمجون في الدول الأوروبية، ولكن دون أن يُنقص ذلك من إيمانهم او إسلامهم شيئا، وهي الصورة التي لا يريد أعداء الإسلام أن تصل إلى العالم، ولكن، يريدون أن يُظهروا في كلّ مرّة أنّ الإسلام لا يمكن أن يكون دين حضارة ولا شيء، وأنه لا يمكن التعايش مع المهاجرين المسلمين. بعد تلك الحماقة التي أطلقتها ماري لوبان، وعوض أن تعتذر، أو تجد حلا للانزلاق الذي وقعت فيه، او أوقعت نفسها فيه، فإنها شرحت موقفها بحماقة ثانية، لا تقلّ سخفا عن الأولى، حيث أشارت إلى أنّه على فرنسا أن تفعل نفس ما تفعله البلدان الإسلامية، والتي، حسبها، لا تقرّ بالحريّة الدينية، ولا تسمح ببناء الكنائس على أراضيها. لا ادري إن كانت لوبان التي تسعى إلى أن تخلف والدها على رأس الجبهة الوطنية الفرنسية، بل وتطمح للترشح إلى الرئاسيات، تُدرك أنها بتصريحات مماثلة لن تدخل "الايليزي" ولو بعد مليون سنة، ليس لأنها لن تجد متطرفين مثلها ينتخبون عليها، ولكن، وحتى المتطرفون الفرنسيون لن ينتخبوا على امرأة أعماها الكره، وجعلها تتفوه بالحماقة تلو الأخرى.