بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية غينيا بيساو    السيد بوغالي يتحادث مع رئيس برلمان غانا    زروقي: الدولة تولي أهمية قصوى لتجسيد مشاريع المواصلات لفك العزلة عن المناطق الحدودية    السيد حيداوي يشيد بدور الكشافة الإسلامية الجزائرية في ترسيخ القيم الوطنية    إطلاق مخطط مروري جديد في 5 فبراير المقبل بمدينة البليدة    توقيف شخص بثّ فيديو مخلّ بالحياء في منصات التواصل الاجتماعي    الثلوج تغلق 6 طرق وطنية وولائية    معسكر: الشهيد شريط علي شريف… نموذج في الصمود والتحدي والوفاء للوطن    إنتاج صيدلاني : حاجي يستقبل ممثلين عن الشركاء الإجتماعيين ومهنيي القطاع    أمطار رعدية على عدة ولايات من الوطن يومي الجمعة و السبت    ميناء الجزائر: فتح أربعة مكاتب لصرف العملة الصعبة بالمحطة البحرية للمسافرين "قريبا"    دورة "الزيبان" الوطنية للدراجات الهوائية ببسكرة : 88 دراجا على خط الانطلاق    فلسطين: الاحتلال الصهيوني يحول الضفة الغربية إلى سجن مفتوح بوضع عشرات البوابات الحديدية    فايد يؤكد أهمية تعزيز القدرات الإحصائية من خلال تحديث أدوات جمع البيانات وتحليلها    اللجنة الاستشارية ل"أونروا" تطالب الكيان الصهيوني بتعليق تنفيذ التشريع الذي يحد من عمليات الوكالة في فلسطين المحتلة    رئاسة الجزائر لمجلس الأمن: شهر من الإنجازات الدبلوماسية لصالح إفريقيا والقضايا العادلة    كرة القدم/الرابطة الأولى "موبيليس": مباراة "مفخخة" للمتصدرواتحاد الجزائر في مهمة التدارك ببجاية    فلسطين: غوتيريش يطالب بإجلاء 2500 طفل فلسطيني من غزة "فورا" لتلقي العلاج الطبي    انتخابات تجديد نصف أعضاء مجلس الامة المنتخبين: قبول 21 ملف تصريح بالترشح لغاية مساء يوم الخميس    السوبرانو الجزائرية آمال إبراهيم جلول تبدع في أداء "قصيد الحب" بأوبرا الجزائر    وزير الاتصال يعزي في وفاة الصحفي السابق بوكالة الأنباء الجزائرية محمد بكير    الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    اتفاقية تعاون مع جامعة وهران 2    بوغالي في أكرا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    الأونروا مهددة بالغلق    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    عبادات مستحبة في شهر شعبان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة العربية ساقية العلوم المُعطلة
نشر في أخبار اليوم يوم 26 - 06 - 2015


بقلم: أسامة جاد *
لقد بنى العرب في العصر العباسي نهضتهم العلمية الأولى عن طريق نقل علوم الهنود واليونانيين. وفي العصر الحديث حاولوا بناء نهضتهم الثانية بنقل العلوم عن الفرنسيين والإنجليز، لا مفر من النقل، لكن شتان بين نقل الأولين والآخرين، لقد نقلنا في العصر العباسي نقلاً عاقلاً، أما في العصر الحديث فنقلنا، وما زلنا ننقل، بلا عقل.
وعى الأوّلون (النقل) وخطورته. فحين قرّروا نقل العلوم، فعلوا ذلك بلغتهم وتمسّكوا بها، فكان نقلهم نقلاً عاقلاً، ولم يتركوا شاردة ولا واردة في علم من العلوم إلا ونقلوها وطوّعوها لمحيطهم ورؤيتهم العربية.
لم يتذرّعوا بأن لغتهم ستُعيقهم عن متابعة ما توصّلت إليه البشرية من معارف نظرية (الفلسفة) أو عملية (العلوم). فإذا ما نقلوا، نقلوا المعارف ولكن بلغتهم، سواء من خلال المطالعة المباشرة، إذا كانوا ممن يجيدون اللغة الأخرى، أو من خلال تجنيد مترجمين، إذا لم يجدوا لهذه اللغة أو تلك سبيلاً. كما لم تجبرهم اللغة الفارسية أو الهندية أو اليونانية على تبني مواقف، حتى أنهم كانوا كلما ترجموا، أخذوا الكثير من العلوم والقليل من الآداب.
وبين هذا وذاك، حافظوا على المسافة التي تميّزهم عن الآخر، وفي الوقت نفسه تفصلهم عنه، بدون أن يؤثر ذلك على مسيرتهم نحو التقدم، فلم يرفضوا العلوم الهندية أو اليونانية بحجة أنهم لا يعرفون لغاتهم، أو بحجة خطر هذه اللغات على لغتهم، كما يدّعى بعضهم اليوم. فنراهم إذا ما نقلوا عن الهنود واليونانيين علومهم، لم يتمثلوهم لا في لغتهم ولا في ثقافتهم ولا في عاداتهم ولا في تقاليديهم. على عكس ما نراه اليوم من تمثل للمحتل السابق، إنجليزياً كان أو فرنسياً، حتى في تتبع عاداته وتقاليده.
وهكذا لم ينفصل الأوّلون عن واقعهم العربي، بل أخذوا يقتربون منه أكثر فأكثر بفضل العلوم التي أخذوها من غيرهم، لخدمة هذا الواقع وحل مشكلاته على الوجه الذي جعلهم في خلال قرون معدودة وجهة لمن أراد من أبناء الأمم المجاورة أن يأخذ عنهم العلم. فكان الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم منارات عربية إسلامية تضيء لشعوب أخرى. ثم ما لبث أن دارت دائرة التاريخ، فأخذت الأمم الأخرى تنقل عن العرب علومهم التي أبدعوا فيها بعد أن فهموها ودوّنوها بلغتهم العربية.
هذه مفاتيحنا للعالم
إننا نرى، من خلال تجربة العرب سواء كانوا هم الآخذون أو كان الآخرون آخذين منهم أن أول مفتاح للعلوم هو النقل، النقل العاقل ثم الفهم.
وما زالت أوروبا تنقل عنهم علومهم بداية من القرن الثاني عشر الميلادي، نقلاً عاقلاً أيضاً، حتى الوقت الذي خبت فيه شمعة العلوم العربية تحت الاحتلال العثماني (القرن السادس عشر الميلادي).
ومن المعلوم أن أوروبا لم تنقل عن العرب بالعربية، بل نقلت، هي الأخرى نقلاً واعياً عاقلاً، أي بلغتها وهي اللاتينية الوسيطة التي استمرت لغة للعلم في أوروبا حتى طغت عليها لغات الأمم، التي خرجت من رحم أوروبا اللاتينية. هذه الأمم هي التي تتربع، اليوم، على عرش العلم في عصرنا الحديث؛ إنجلترا وفرنسا وألمانيا.
لم يلبث هؤلاء أن رفضوا لغة اللاتين كلغة علومٍ، عدّوها وطنية، فنقلوا العلوم من اللاتينية الوسيطة إلى لغاتهم الوطنية نقلاً واعياً عاقلاً أيضاً، وتعلموا العلم وعلموه وأنتجوه، وما زالوا ينتجونه بلغاتهم ووفق واقعهم وحلاً لمشاكلهم. وكي لا ينفصلوا عن تاريخهم، أبقوا على اللاتينية في مدارسهم الثانوية ومؤسسات علومهم.
ففي إيطاليا، على سبيل المثال، يدرس أكثر من مليوني طالب اللغة اللاتينية كلغة أجنبية اختيارية في الثانوية العامة، أما في ألمانيا فيصل العدد إلى نصف ذلك. ولا يخفى على أحد أن العلم في اليونان لا يزال يونانياً.
أما نحن، فقد بنينا نهضتنا العلمية الحديثة، في مطلع القرن التاسع عشر، على علوم الفرنسيين والإنجليز، ولا عيب في ذلك، فهكذا فعل أجدادنا في نهضتهم الأولى، وكذلك فعلت أوروبا في نهضتها الحديثة، كما أسلفنا.
لكننا وللأسف، لم نعقل خطورة النقل فتنصّلنا أول ما تنصلنا من لغتنا العربية، ثم قطعنا صلتنا بماض علمي عريق، فانفصلنا بذلك ليس فقط عن ماضينا بل عن واقعنا الحاضر، سواء فيما بيننا، نحن العرب، أو بيننا وبين غيرنا من الأمم، فتقدموا هم بلغاتهم وتخلفنا نحن بلغاتهم.
وهكذا كان نقلنا، ولا يزال، نقلاً غير مبصر ولا عاقل. فلا تفرنسنا ولا تأنجلزنا، بل ظل لساننا عربياً، لكنه لسان عربي غير مبين. ويكفي، لكي نعرف وهم إتقاننا للغات غير لغتنا، أن تطالع مؤشرات إتقان اللغة الإنجليزية على مستوى العالم لتجد الدول العربية في ذيل القائمة.
وهم اللغات الأجنبية
ولا يزال بين أظهرنا من يدافع عن اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، لغة للتدريس لطلاب يولدون بالعربية ويعيشون بها، على الرغم من أن واقع جامعتنا العربية يقول إنه، بسبب تمسك هؤلاء بهذا الوهم (أقصد وهم نهضة علمية بلغة أجنبية)، ما زالت جامعاتنا في قاع التصنيف العالمي.
تصب كل هذه العوامل في مشهد واقعنا العلمي، والذي لا تخفى على أحد حقيقته اليوم. إذ يقول هذا الواقع إننا لا نملك من العلم إلا القشور، لأننا دخلنا السباق الخاطئ، فبكل بساطة لن نستطيع أن نتفوّق على الإنجليز أو الفرنسيين في فهمهم للغاتهم، كما أنهم لن يغلبونا في فهمنا للغتنا العربية التي تنصلنا منها في شتى مناحي الحياة، واحتقرها بعضنا واعتبرها عامل انحطاط ثم طفق يتنكر لماضيها العلمي الذي شهد العالم بعلوّ شأنه.
يشهد واقعنا العلمي الحالي علينا، وعلى تقصيرنا، كما يشهد ماضينا العلمي على أجدادنا وعلى حسن نقلهم وفطنتهم، فنقلوا بلغتهم ففهموا وأبصروا وأبدعوا فتفوّقوا. أما نحن فما زلنا في نقلنا الثاني بلا عقل، ننقل بغير لغتنا، فلم نفهم ولم نبصر فتخلفنا.
هكذا نرى أن الإدانة العمياء للنقل هي قراءة أقرب للتعطيل منها لإرادة الإصلاح. فالنقل والعقل عملية حضارية واحدة. النقل بلا عقل استمرار في التأخر، والعقل بلا نقل بناء في الفراغ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.