الطريقة التي حصل من خلالها الطيار الجزائري الشهير لطفي رايسي على اعتذار من بريطانيا على حماقاتها المرتكبة في حقه، لا تؤكد فقط أن الحق لا يضيع عندما يستمر صاحبه في المطالبة به، وإنما أيضا أن الجزائريين أينما كانوا وحيثما وُجدوا لا يقبلون بالمذلة والإهانة، وحين يتعرضون لمحاولات إذلال فإنهم يقضون ما تبقّى من أعمارهم في المطالبة بالاعتذار والتعويض.. لقد قضى رايسي مدة من حياته في الدراسة بأمريكا، ومدة أخرى في بريطانيا، ولكن ذلك لم يغير شيئا من طينته كجزائري يرفض المهانة، وحين ابتلي بتهمة المشاركة غير المباشرة في اعتداءات 11 سبتمبر 2001 عاش الجحيم، فانقطعت سبل رزقه، ودخل السجن، وأوشك على مصير أسود لولا أن أدركته رحمة الله، فتمت تبرئته من التهم الموجهة له، قبل أن يعترف القضاء البريطاني بخطئه في حقه، ليأتي الدور على وزير عدل بريطانيا، الذي أقر بكل شجاعة ومسؤولية أيضا بالجرم القضائي المرتكب في حق رايسي، وبحق هذا الأخير في التعويض. وإذا كان رايسي سيحصل على تعويض مالي هام فإن ذلك لا يكفي في نظره، ولذلك مازال يطالب بالاعتذار البريطاني العلني، حرصا على استعادة سمعته، من بعد أن صار اسمه على القوائم السوداء لشركات الطيران العالمية، وتأكيدا منه على أن المال ليس كل شيء في هذه الحياة.. والواقع أن المنطق الذي يفكر به رايسي هو المنطق ذاته الذي يفكر به الجزائريون جميعا حين يتعلق الأمر بإساءة يتعرضون لها، ولذلك مازالوا يطالبون فرنسا بالاعتراف بجرائمها الاستعمارية والاعتذار عنها، وتعويض ضحاياها بعد مضي نحو نصف قرن من الاستقلال.. ولذلك أيضا لا يرضى الجزائريون بالمصالحة مع النظام والإعلام في مصر ما لم يعترف النظام والإعلام المصريان بإساءاتهما البالغة للجزائر، شعبا وحكومة وشهداء، ويعتذران عنها، فالجزائريون كلهم لطفي رايسي، ولا مصالحة معهم دون اعتذار!