بقلم : مراد بولعراف * يعتبر البرلمان بمثابة المؤسسة الدستورية التي يمارس فيها الشعب سيادته على يد البرلمانيين الذين يتولون تجسيد تطلعاته وترجمتها إلى قوانين من خلال العمل التشريعي الذي يؤدونه. وسنحاول من خلال هذه القراءة إبراز مراحل دراسة النص القانوني على مستوى المجلس الشعبي الوطني وما سجلناه من اختلالات واختلافات بين ما ورد في النصوص القانونية التي تحكم المجلس وما هو مطبق فعلا عند الممارسة الغرض من وراء ذلك أن نلفت الانتباه إلى أن التشريع هو أساس العمل في البرلمان ومن ثمة يتوجب على من يشرف على هذه المؤسسة أن يولي العناية اللازمة له. ينص الدستور في المادة 98 منه (يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وله السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه). كما ينص في المادة 119 منه (لكل من الوزير الأول والنواب حق المبادرة بالقوانين). يبدأ العمل التشريعي على مستوى المجلس الشعبي الوطني بإيداع الحكومة لمشروع قانون ما حيث تنص الفقرة الثالثة من المادة 119 من الدستور: (تعرض مشاريع القوانين على مجلس الوزراء بعد الأخذ برأي مجلس الدولة ثم يودعها الوزير الأول لدى مكتب المجلس الشعبي الوطني). تناقضات في هذا الإطار نسجل أول تناقض بين نص المادة الدستورية والعملية الناجمة عن تطبيقها بحيث نلاحظ أن إيداع مشاريع القوانين لا يقوم به الوزير الأول وإنما يقوم به الأمين العام للحكومة الموقع على مراسلة الإيداع التي ترافق النص القانوني مستندا في ذلك على المادة 119 من الدستور في حين نجد أن من بين مهام الأمانة العامة للحكومة هي القيام بإرسال مشروع القانون إلى المجلس الشعبي الوطني. هذا التصرف المناقض للدستور يعتبرفي رأيي تقليلا من قيمة المجلس ولذلك فإن تصحيح الوضع أصبح لازما وعلى المجلس الشعبي الوطني التحرك والإلحاح لدى الوزارة الأولى من أجل تقويم ذلك. وأعتقد أن هذه المسألة قد أثيرت في السابق وتمت مراسلة الحكومة ولكن الأمور لا زالت على حالها. فبعد إيداع مشروع القانون يجتمع مكتب المجلس ويقرر إحالته على اللجنة المختصة بالموضوع المعالج في مشروع هذا القانون وتشرع اللجنة في دراسة هذا النص بالاستماع أولا إلى عضو الحكومة المشرف على القطاع الذي تناوله بالمعالجة مشروع القانون. ويتولى عضو الحكومة تقديم النص المعروض من حيث أسباب إعداده وأهدافه وانعكاساته على المجتمع وينظم نقاش داخل اللجنة مع ممثل الحكومة يسمح للنواب بطرح انشغالاتهم وللوزير بالرد عليها وتوضيح كل ما استفسر عنه أعضاء اللجنة. كما للجنة الحق وفقا لما خوله لها النظام الداخلي في استدعاء كل شخص أو خبير ترى أن مساهمته من شأنها أن تثري النص أو تنيرها في دراسته. وتتوج اللجنة أشغالها باستنتاجات تشمل تعديلات وتوصيات وتدرجها في تقرير تمهيدي يوزع على أعضاء المجلس الشعبي الوطني ويقرر مكتب المجلس برمجة جلسات عامة لدراسته ومناقشته. وتبعا لذلك تنص المادة 33 من القانون العضوي رقم 99-02 الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة (يشرع في مناقشة مشروع القانون بالاستماع إلى ممثل الحكومة ومقرر اللجنة المختصة ثم إلى المتدخلين حسب ترتيب تسجيلهم المسبق). يقرر المجلس الشعبي الوطني إثر المناقشات إما التصويت على النص بكامله وإما التصويت عليه مادة مادة أو تأجيله...... إن المتتبع لأعمال المجلس يلاحظ أن الإجراء التشريعي المنتهج أو الممارس حاليا لا يتماشى وأحكام المادة أعلاه التي تبين أن جزءا من العملية مخصص لمناقشة الفلسفة العامة للنص القانوني بعد تقديمه من ممثل الحكومة والاستماع إلى مقرر اللجنة حيث تعبر خلالها المجموعات البرلمانية عن رأيها إزاء النص القانوني ثم يشرع النواب في التصويت على المواد مادة بمادة بعد أن يقدم أصحاب التعديلات تعديلاتهم ويدافعون عنها ويعرض مقرر اللجنة موقفها منها وكذا ممثل الحكومة إن أراد. فمضمون المادة يشير إلى وجود تقرير واحد يعرض في الجلسة العامة وهذا الاجراء المنصوص عليه في القانون العضوي يوحي بأن النواب يودعون اقتراحات التعديل على مشروع القانون عند توزيعه عليهم وتحال التعديلات المقبولة على اللجنة المختصة لتستعين بها وتدرسها عند دراستها لمشروع القانون أي قبل إعدادها للتقرير التمهيدي. الإجراء المتبع اليوم هو مغاير لما جاء في نص المادة المذكورة أعلاه بحيث تخصص جلسة لمناقشة مشروع القانون يتدخل خلالها النواب المسجلون ويعبرون عن ملاحظاتهم التي غالبا ما تكون عامة ولا تخص المواد وأن العدد القليل من النواب الذين يتدخلون في المواد لا يقدمون تعديلات عليها لإثراء النص الشيء الذي لا يلزم اللجنة المختصة بأخذها أو عدم أخذها بعين الاعتبار. وباتباع هذا الإجراء يسمح للنواب غير الأعضاء في اللجنة المختصة بإيداع اقتراحات التعديل في أجل لا يتجاوز 24 ساعة بعد بداية المناقشة العامة والكثير من النواب المبادرين بالتعديلات يعتمدون في ذلك على تقرير اللجنة وليس على مشروع القانون الذي وزع عليهم سابقا وهذا عكس ما جاء في المادة 28 من القانون العضوي 99-02 والمادة 61 من النظام الداخلي اللتان تنصان على أن التعديلات تودع على مشروع أو اقتراح القانون. هذا الإجراء المتبع يفرض على مكتب المجلس إحالة التعديلات المقبولة على اللجنة المختصة التي تجتمع من جديد بمندوبي أصحاب التعديلات وممثل الحكومة لدراستها وإعداد تقرير تكميلي يعرض في الجلسة العامة لتتم عملية التصويت على النص. نظام التعديلات وبخصوص التعديلات تجدر الإشارة إلى أن هذا الموضوع لازال يعتمد على نفس الشروط التي حددها مجلس الحزب الواحد سنة 1977 باعتبار أن اقتراح التعديل لا يكون مقبولا إلا إذا وقعه عشرة (10) نواب. لقد زال مجلس الحزب الواحد وجاء مجلس تعددي في 1997 ومع ذلك تضمن النظام الداخلي نفس الكيفيات والشروط لإيداع اقتراحات التعديل. فالممارسة بينت أن هذه الكيفيات أو الشروط ليست في صالح العمل التشريعي ولا تساهم في إثرائه وتحسينه ذلك أن الحزب الذي له أقل من عشرة (10) نواب لا يمكنه أن يقدم اقتراح تعديل ويجب عليه اللجوء إلى نواب آخرين من أحزاب أخرى لاستكمال العدد المطلوب لإيداع الاقتراح. هذا يفسر بمثابة العرقلة للعمل التشريعي وللممارسة الديمقراطية. وبسبب اشتراط عشرة (10) نواب لقبول التعديل فإن الممارسة أو التجربة في العمل التشريعي بينت أن النائب المبادر بالتعديل يلجأ إلى التوقيع باسم زملاء له دون علمهم وأن بعض النواب يوقعون على بياض دون الاطلاع على المقترح الشيء الذي يؤدي بهم إلى التغيير من موقفهم ويطلبون سحب توقيعهم لعدم موافقتهم على مضمون التعديل أو أنهم تلقوا تعليمات من تشكيلاتهم السياسية المعارضة لذلك التعديل. وهنا نتساءل عن مصير التعديل: هل يبقى مقبولا بعد أن فقد توقيعا أو أكثر وهل يمكن الاستمرار في دراسته أم لا؟ هذه الاختلالات والمشاكل والمصاعب التي لاحظناها في مسألة التعديل تدفعنا إلى القول أنه من اللازم أن يعدل النظام الداخلي ويسمح لكل نائب أن يبادر بالتعديل ويدافع عنه بنفسه وهو مسؤول عليه وبذلك يكون النواب بمختلف انتماءاتهم السياسية متساوين أمام القانون ومتساوين في مهمة التشريع وإعداد القانون التي خولها لهم الدستور. وبخصوص التعديلات دائما فإنه من المؤسف أن نسجل أن غالبية التعديلات التي تقترحها اللجان في تقاريرها هي تعديلات شكلية تنصب على تصحيح مصطلحات أو تقويم صياغة والسبب في ذلك يعود إلى كون غالبية مشاريع القوانين تعدها الحكومة باللغة الفرنسية ثم تترجم إلى العربية وتودع باللغتين على مكتب المجلس الشعبي الوطني. وبذلك أصبح دور النواب ينحصر في العمل على نص مترجم والتركيز أكثر على تصحيح الأخطاء اللغوية. ونلاحظ كذلك مع الأسف ومن خلال كل الفترات التشريعية للمجلس الشعبي الوطني التعددي أن التعديلات التي تتقدم بها المعارضة ترفض تلقائيا عند التصويت باستثناء بعض التعديلات التي تكون شكلية أو تتعلق باللغة. والغريب في هذا الشأن هو أن بعض هذه التعديلات التي تقدمها المعارضة ولا سيما تلك المتعلقة بقانون المالية ويرفضها النواب تلقائيا تعتمدها الحكومة في قانون المالية للسنة الموالية وكأنها تدابير جديدة أتت بها الحكومة. وبالعودة إلى جلسة المناقشة العامة فإن ما لاحظناه هو تشابه المداخلات في موضوعها وبذلك تكرار الأفكار للعديد من المرات. فإذا كان عدد المتدخلين على سبيل المثال مئة (100) مسجل فإن ستين (60) أو سبعين (70) بالمائة من المداخلات متشابهة لاسيما عندما يناقش المجلس مخطط عمل الحكومة أو مشروع قانون المالية. وإلى جانب التدخلات الشفهية يسجل بعض النواب أنفسهم للتدخل كتابة وهو أمر لم ينص عليه القانون العضوي ولا النظام الداخلي والأجدر هو أن يكف العمل بهذه الوسيلة لأنها أحدثت بعض المشاكل مثل تسجيل النائب نفسه ثم يعلن عنه رئيس الجلسة ولكن النائب لا يودع مداخلته المكتوبة لتقدم لممثل الحكومة وللجنة المختصة ولسردها في الجريدة الرسمية لمناقشات المجلس. وهنا تتجلى أهمية دور المجموعات البرلمانية في المجلس الشعبي الوطني فمن المفروض على المجموعة البرلمانية أن تلعب دورها في توجيه أعضائها وتوزيع المهام فيما بينهم وتحديد عدد المتدخلين والقطاعات أو المسائل الواجب التدخل فيها أو إثارتها في النقاش العام وكذا إيداع التعديلات التي من الواجب أن تعكس سياسة أو برنامج الحزب. ولكن مع الأسف القليل من هذه المجموعات البالغ عددها ستة (6) حاليا تقوم بهذا الدور الشيء الذي يجعلنا نسجل في المناقشة العامة توجهات مختلفة في المواقف نابعة من نواب ينتمون لنفس التشكيلة السياسية. وبالقياس مع ما يجري في برلمانات أخرى ولتفادي برمجة جلسات مفتوحة لأيام عديدة في بعض الأحيان فإنه يكون من الأحسن أن يقوم مكتب المجلس بعد التشاور مع رؤساء المجموعات البرلمانية بتحديد حجم ساع لكل مشروع قانون يوزع على المجموعات البرلمانية وفق نسبة تمثيلها في المجلس وعلى كل مجموعة استعمال الوقت المخصص لها كما تراه مناسبا إما بتحديد عدد معين من نوابها للتدخل أو تمكين واحد أو اثنين من التعبير عن موقفها إزاء النص القانوني. وقد سبق وأن تم العمل بهذا الحجم الساعي مرة أو مرتين في أول عهدة للمجلس التعددي ثم تم التخلي عنه. هذا الأسلوب المنتهج حاليا نتج عنه برمجة جلسات عامة يعرف موعد بدايتها ولا أحد يدرك وقت نهايتها لأن رئيس الجلسة محكوم عليه إتمام قائمة المتدخلين. إذن بعد التقرير التمهيدي يأتي التقرير التكميلي الذي يتضمن سرد التعديلات المقترحة من النواب غير أعضاء اللجنة وموقف اللجنة منها ثم يعرض في جلسة عامة ليتم التصويت على مشروع القانون. يتبع..