عميدة الصحف الفرنسية تتساءل: لماذا يعتنق الأوروبيون الإسلام؟ نشرت صحيفة (لوموند) عميدة الصحف الفرنسية تقريرا تحدّثت فيه عن تنامي ظاهرة اعتناق الشباب الأوروبي للإسلام وبحثت في أسباب انتشار هذه الظاهرة. قالت الصحيفة في تقريرها إن تنظيم الدولة (داعش) شوّه فكرة اعتناق الإسلام في أوروبا بسبب استثماره للعديد من الأوروبيين الذين اِلتحقوا به واستغلالهم في دعايته الإعلامية ونقلت في هذا السياق مخاوف أُمّ إسبانية تنحدر من عائلة كاثوليكية تدعى (بيبيت) تفاجأت باعتناق ابنتها ألكسندرا الإسلام وهي اليوم تواجه صعوبات كبيرة في التواصل مع ابنتها وتخشى أن تتحوّل إلى ارتداء النقاب ثمّ تلتحق بتنظيم الدولة. وذكرت الصحيفة أن العديد من العائلات الأوروبية تتشارك هذه المخاوف بسبب ارتفاع نسبة الشباب الذين اعتنقوا الإسلام ثمّ اِلتحقوا بصفوف تنظيم الدولة بعد فترة وجيزة. * تشويه متعمّد صرّحت وزارة الخارجية الفرنسية بأن هذه الفئة تمثل ما يقارب ربع المسلحين الفرنسيين وهو ما أكده محمد العدراوي مؤلّف كتاب (من الخليج إلى الضواحي) الذي أشار إلى البعد العالمي الذي اكتسبه (هذا التنظيم المتشدّد). ولكن في المقابل أكّدت الصحيفة أن الملتحقين بتنظيم الدولة في العراق وسوريا يعتبرون في الحقيقة أقلية مقارنة بالعدد الإجمالي للمسلمين في أوروبا حيث نقلت عن العدراوي أن عددهم يتراوح بين 70 ألف و120 ألف من أصل ما بين المليونين والخمسة ملايين مسلم بفرنسا. غير أن الاستراتيجية الإعلامية للتنظيم سعت إلى تضخيم عددهم من أجل تسليط الضوء على نجاحها في استقطابهم وهو ما أدّى إلى تضليل الرأي العام وربط فكرة اعتناق الإسلام بفكرة الانتماء إلي التنظيم في ظلّ غياب إحصائيات ودراسات دقيقة. وأفاد محمد العدراوي بأن اعتناق الأوروبيين الإسلام يعتبر ظاهرة أكثر تنوّعا وتجذّرا من أن يتمّ ربطها بما يحدث في العراق وسوريا إذ تعود إلى القرن التاسع عشر حين امتدّت جسور التواصل بين المثقّفين الأوروبيين وسكّان الدول المستعمرة وتواصلت في النّصف الثاني من القرن العشرين حيث انتشر التصوّف بين الشباب الغربي الذي سافر إلى آسيا الوسطى بحثا عن الإشباع الرّوحي. وأضافت (لوموند) أن هذه الظاهرة أخذت أبعادا جديدة منذ التسعينيات بفضل الحضور الواسع للإسلام في فرنسا والديناميكية الاجتماعية التي تتميّز بها المجتمعات الإسلامية وتنوّع الدوافع التي تشجّع الفرنسيين أيضا على اعتناق هذه الديانة ما أدّى إلى انتشارها في صفوف الشباب من أبناء المهاجرين والشباب الأوروبي المنتمي إلى عائلات غير المسلمة. * هذه أسباب انتشار الإسلام من جهته أشار سمير أمغار الباحث في جامعة بروكسيل الحرّة إلى البعد (المجتمعي الشعبي) لانتشار الإسلام والذي يتجلّى من خلال ما يتميّز به من قيم (روح المجموعة) و(التقارب الاجتماعي) مستشهدا بمثال شابّة تدعى (جيسيكا مارل) أسلمت إثر بلوغها سنّ الرشد القانونية بعد أن جذبتها (السكينة) التي أحسّت بها في المسجد وعند الصلاة والترحيب الذي حظيت به لدى المسلمين. ونقلت (لوموند) عن أمغار أن هذه الشابّة الباريسية التي تبلغ من العمر 28 سنة تعيش الآن حياة اجتماعية وعائلية مستقرّة حيث تزاول نشاطها المهني وتزوّجت برجل مسلم منذ ثلاث سنوات غير أنها لم ترتد الحجاب بعد لأنها تشعر بأنها (ما تزال غير مستعدّة لذلك). وقد أكدت جيسيكا أن (دخولها الإسلام أمّن لها التغذية الروحية ولبّى رغبة كامنة في أعماقها في الشعور بالاستقرار والدفء لاحقتها منذ طفولتها التي قضتها مع أسرة حاضنة). وأشار محمد العدراوي إلى ظاهرة (الاعتناق الديبلوماسي) للإسلام والذي غالبا ما يتمّ لأسباب عاطفية تتعلّق بالعلاقات بين الجنسين وتنتهي بالزّواج. أمّا عالم الاجتماع لويك لو باب فقد قدّم تحليلا (سياسيا) اعتبر من خلاله أن العديد من الأشخاص يميلون إلي الإسلام بدافع التعاطف مع الفئة التي تتعرّض للظلم والاضطهاد دون أن ينفي حضور الدافع الديني أيضا. وقالت الصحيفة إن ذلك ما حدث مع شابّة فرنسية نشأت بين أحضان والدين مسيحيين وكانت تميل نحو مصادقة المسلمين في المرحلة الثانوية من دراستها كما كانت تشارك العائلات المسلمة أنشطتها الاجتماعية لتشهد حادثة تركت فيها أثرا عميقا تمثّلت في اعتداءات عنيفة من قوّات الشرطة على أحد الشباب المسلم. ونقلت (لوموند) عن والدة الشابّة أن هذه الواقعة أحدثت تغييرا جذريا في ابنتها التي بدأت تفكّر جدّيا في اعتناق الإسلام وشرعت في متابعة محاضرات للدكتور طارق رمضان قبل أن تشرع فعليا في اتّباع تعاليم الإسلام. وعلى الرغم من عدم رضاهم عن قرار ابنتهم إلاّ أن والديْ الشابّة يعترفان بأن اعتناقها للإسلام أضفى عليها صفات جديدة كالحكمة والهدوء.