بقلم: الشيخ أبو إسماعيل خليفة إن ابتلاءاتنا في المجتمع هي فيما يأتينا من الغرب وإنه لا الكلمات ولا الأسطر تعبر عن ظاهرة مؤلمة مفزعة زحفت إلى مجتمعنا على حين غفلة منا.. ومن مؤسسات المجتمع.. أبناءٌ وبناتٌ يأخذون آباءهم وأمهاتهم إلى دور العجزة والمسنين إنه العقوق بعينه.. فعل في غاية البشاعة ونهاية في القبح والشناعة يقشعر لهوله البدن ويقف لخطبه شعر الرأس.. آباءٌ وأمهاتٌ يبكون على ذكرياتهم مع بناتهم وأولادهم فلذات أكبادهم.. هل فكرتم يوما بزيارة دور العجزة والمسنين لتروا بأم أعينكم وتسمعوا قصصا تدمي الحجر من عقوق الأبناء؟ إنه العجب كل العجب لمن يتخلى أو بالمعنى الأصح يرمي أحد والديه من أجل أي سبب من أسباب الدنيا.. وإنها لدناءة نفس وخسّة خلق وضعف المروءة وقلّة الحياء وانعدامِ الوفاء فأين يُرجى من العاقّ خيرٌ؟! فأي أرض سيسكن هذا؟ وأي قبر يضمه؟ فليعم هذا وأمثاله: أنه كما يدين يدان عاجلا أم آجلا .. سوف ينام في المكان ذاته ويتحطم من شدة الندم حينما لا ينفع الندم قال صلى الله عليه و سلم: (ما من ذنب أحرى أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يُدّخر له في الآخرة من: البغي وقطيعة الرحم). ألا إن رابطة الوالدين من أعظم الروابط بين الناس رابطة خصّها الشرع الحنيف بمزيد من الاهتمام والذكر وحذر من المساس بهذه الرابطة الوثيقة والإخلال بها والاعتداء عليها حتى ولو بأدنى لفظ أو نظر.. قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً). الإسراء:23. تأمل معي رحمك الله قوله تعالى: (إما). فهذا اللفظ (مركب من كلمتين: (إن) و(ما). فكلمة: (إن) هي للشرط وكذلك كلمة (ما) فهي أيضا للشرط. ولما جمع بين هاتين اللفظتين أفاد تأكيد معنى الشرط وهذا تأكيدٌ للحكم المذكور وتقريره واثباته على أقوى الوجوه.. فيا أيتها البنت ويا أيها الولد: عند ما يبلغ والديك أو أحدهما إلى هذه المرحلة من الضعف والعجز كما كنت فأنت مكلف في حقهما بخمسة أشياء: 1 لا تقل لهما أفّ. 2 لا تنهرهما. 3 قل لهما قولا كريما. 4 اخفض لهما جناح الذل من الرحمة. 5 قل رب ارحمهما كما ربياني صغير. وتأمل معي أيها الكريم قول الله: (عندك: فإنه يلوح لك معنى لطيف وسرّ بديع.. ألا وهو: أن هذا هو الشأن.. فمتى بلغ الوالدان أو أحدهما الكبر فوهن العظم وضعف الجسم أن يكونا عند الإبن. قال ابن جزي: (ومعنى: (عندك) أي في بيتك وتحت كنفك). هذا هو المعقول.. وهذا هو الذي يجب أن يكون.. ولعمري أن أهل النفوس الكريمة والقلوب الرحيمة إن هذا لهو شأنها وديدنها فطوبى لهم وحسن مآب.. فاللهم أيقظ القلوب العافلة واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.. اللهم ارزقنا البر لوالدينا أحياءً وأمواتاً واجعلنا لهم قرة أعين اللهم من أفضى منهم إلى ما قدم فنور قبره واجزه عنا أحسن الجزاء.. برحمتك يا أرحم الراحمين.