لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ هذه هدية السماء في مولد سيّد الأنبياء خلق الله سبحانه وتعالى خلقه ولم يتركهم هملا إنما أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ليبيّنوا للناس ما هم مكلّفون به وأنعم عليهم بصنوف النعم لتستقيم حياتهم. ونِعَمُ الله على البشرية وإن كانت لا تعد ولا تحصى- إلا أن منها نعمة لا ينبغي أن تُنْسَى ألا وهي نعمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ)..... [آل عمران: 164]. ويوضح ربنا عز وجل في نفس الآية المنهج الصحيح والجوهر الثمين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من رب العالمين ملفتًا الأنظار إلى ما كانوا عليه قبل البعثة ليحسن استقبال النعمة بشكر الاتباع قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَال مُبِين ). وفي ذكرى ميلاد النعمة المسداة والرحمة المهداة-محمد صلى الله عليه وسلم- نَقِفُ وقفةَ متأمل : فما أكثر ما تضع أرحام الأمَّهات وفي كلِّ يوم يخرج إلى الدُّنيا آلاف المواليد دون أن يحتفي بهم الكون كما احتفى واسْتُقْبِل نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يولد الكثير من الأطفال دون أن ندري عنهم شيئًا ودون أن نعيرهم أيّ اهتمام فإذا نبتوا نباتًا حسَنًا وقدَّموا المَجد لأُمَمِهم ذكرتهم الشعوب بالخير وكان لِزامًا على الشعوب أن تَذْكرهم بالخير. أمَّا ميلاد سيِّد البشَر ورحمة الله المُهْداة للإنسانيَّة جَمْعاء وأفضل مولود عرفَتْه البشريَّة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فقد قامت الدُّنيا له واشتهر ميلاده قبل الميلاد وتحدَّث الكون به قبل وجوده وبعد ميلاده تحدَّث به الزمان ولا زال وسعدت بذِكْراه الأكوان ولا زال وسُجِّل ميلاده في كتب المُرْسَلين قبل مولده فهذا عيسى - عليه السَّلام - يبشِّر به في الإنجيل ولقد وضَّح القرآن الكريمُ هذه الحقيقة قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُول يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ).. [الصف: 6]. ولَم يَحْظ مولودٌ في الدُّنيا بتلك المكانة ولَم ينَلْ وليدٌ تلك الرُّتبة مثل رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد ورد في صحيح الخبر وفي ضوء ما جاء في القرآن الكريم أنَّ أبرهة مَلِكَ الحبشة قرَّر هدم الكعبة المشرَّفة فسيَّرَ جيشًا كبيرًا وقد أخذه الغرور وهَيمَنَ عليه الظُّلم وسوَّلت له نفسُه وملكُه وقوَّتُه وما إن وصل إلى أسوار مكَّة حتَّى فوجِئَ ذلك الجيش الضخم بعدته وعتاده بقنابل من السَّماء من طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجِّيل فجعلَتْهم كعصف مأكول فقُتِل أبرهة ومن معه من الطُّغاة {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبُّكَ إِلَّا هُو}. ولقد شاءتْ إرادة الله تعالى أن تكون رسالةُ محمّد -صلّى الله عليه وسلَّم- وسطيَّة في عقيدتها وشريعتها فقد أرسله الله تعالى بالحنيفيَّة السَّمحة التي يَحيا الناس بها في كرامة بل ويصل بها المجتمع إلى أعلى درجات الرُّقي والكمال وهذا الفضل يشمل البشرية كلَّها دون تفريق بين مسلم وغير مسلم فليست رسالةُ صاحبِ الذِّكرى الطيِّبة سيِّدنا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - محدَّدةً بقوم دون قوم أو بوطن دون وطن وإنَّما هي رسالة عالَمِيَّة للبشرية جَمعاء جاءت بما يُسْعِد الإنسانيَّة كلَّها إلى يوم الدِّين قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا).. [سبأ: 28].