الرحمةُ كذلك صفة الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- التي لا تنفك عنه أبدًا، لا في سِلم ولا في حرب، ولا في حَضر ولا في سفر. وقد سماه ربُّه رَءُوفًا رَحِيمًا؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ لِي أَسْمَاء: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا»[12].
قال ابن كثير: «يخبر تعالى أن الله جَعَل محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلَّهم، فمن قَبِل هذه الرحمةَ وشكَر هذه النعمةَ- سَعد في الدنيا والآخرة، ومن رَدَّها وجَحَدَها خَسِر في الدنيا والآخرة»[13].
وذكر القرطبيُّ عن الحسين بن الفضل قوله: «لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه قال: ﴿ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾، وقال: ﴿ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65][14].
وقال الله عز وجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
يقول الشنقيطيُّ عند تفسيره لهذه الآية: «ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أرسل هذا النَّبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم؛ لأنه جاءهم بما يُسعدهم، وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى»[15].