دون علم أوباما *** كشف الصحفي الأمريكي سيمور هيرش عن أن وكالة الاستخبارات العسكرية (دي إي أي) وهيئة الأركان الأمريكية المشتركة بقيادة الجنرال مارتن ديمبسي قدمتا معلومات أمنية لجيش النظام السوري عن طريق ألمانياوروسيا و_إسرائيل_. وذكر هيرش في مقال مطول نشرته مجلة لندن ريفيو أوف بوكس والذي أعاده إلى عام 2013 عندما حذر تقرير سري للغاية أعدته وكالة الاستخبارات العسكرية (دي إي أي) وهيئة الأركان المشتركة بقيادة الجنرال مارتن ديمبسي من الفوضى التي ستنشأ في حالة انهيار النظام السوري مما سيفتح المجال لتولي الجهاديين السلطة في سوريا كما حدث في ليبيا. وينقل التقرير عن مستشار سابق لهيئة الأركان المشتركة قوله إن الوثيقة كانت شاملة واستندت على معلومات جمعت الإشارات والمخبرين وقدمت رؤية قاتمة حول إصرار أوباما المستمر على تسليح المعارضة _المعتدلة_. وتشير المجلة إلى أنه قبل عام من نشر الوثيقة- التقييم- بدأت وكالة الاستخبارات الأمريكية _سي آي إيه_ عملية نقل للسلاح والبضائع بالتعاون مع بريطانيا والسعودية وقطر من ليبيا وتم نقلها عبر تركيا إلى سوريا. ويلفت هيرش إلى أن التقييم ذكر أن تركيا عقبة أمام تطبيق سياسة أوباما في سوريا وأشار التقييم إلى أن برنامج تسليح المعارضة المعتدلة تحول إلى عملية تسليح شملت الفصائل كلها بما فيها الجماعات المتشددة مثل جبهة النصرة. ونفى التقييم فكرة وجود المعتدلين الذين قال إنهم _تبخروا_ ومن بقي منهم اتخذ من تركيا قاعدة له. وتنقل المجلة عن مدير وكالة الاستخبارات العسكرية في الفترة ما بين 2012 إلى 2014 الجنرال مايكل فلين قوله إن وكالته أرسلت عدة رسائل سرية حذرت فيها من مخاطر الإطاحة بنظام الأسد. ويضيف أن الجهاديين يسيطرون على المعارضة السورية وأن تركيا لم تكن معنية بنمو تنظيم الدولة داخل سوريا.ويتابع فلين بأن تقارير وكالته تم تلقيها بطريقة سلبية من إدارة أوباما ويقول: _شعرت بأنهم لم يكونوا يريدون الاستماع للحقيقة_. وأشار مستشار هيئة الأركان المشتركة السابق إلى أن سياسة تسليح المعارضة السورية لم تكن ناجحة _بل تركت آثارا سلبية_. ويذكر التقرير أنه إزاء هذا الوضع قامت هيئة الأركان في خريف عام 2013 باتخاذ خطوات دون المرور عبر القنوات السياسية وذلك عبر تقديم معلومات استخباراتية لجيوش الدول الأخرى أملا بأن تصل هذه المعلومات للجيش السوري ليستخدمها ضد العدو المشترك المتمثل بجبهة النصرة وتنظيم الدولة. وهذه الدول الثلاث هي ألمانيا و_إسرائيل_ وروسيا. ويقول الكاتب عن سبب اختيار هذه الدول إن ألمانيا تخشى من توسع تنظيم الدولة وتأثيره على سكانها المسلمين. أما إسرائيل فهي قلقة على الحدود بينها وبين سوريا. فيما تعد روسيا الحليف القوي للأسد ولديها مصالح عسكرية على الشاطئ السوري. ويؤكد مستشار هيئة الأركان أن ما تم فعله لم يكن خرقا للسياسة الأمريكية ف_لم يكن في نيتنا الانحراف عن سياسة أوباما المعلنة. وكل ما كانوا يريدون عمله هو نقل تقييماتنا عبر العلاقة العسكرية- العسكرية مع دول أخرى ربما كانت مثمرة.فمن الواضح أن الأسد كان بحاجة إلى معلومات أمنية تكتيكية ونصائح عملياتية. واعتقدت هيئة الأركان المشتركة أنه في حالة تلبية هذه الاحتياجات فسيتم تعزيز القتال ضد _الإرهاب الإسلامي_ ولكن أوباما لم يكن يعرف ما تقوم به هيئة الأركان المشتركة في الظروف كلها وهذا هو حال الرؤساء الأمريكيين كلهم_. وتكشف المجلة عن أنه لم يكن هناك اتصال مباشر بين الأمريكيين والسوريين في عملية نقل وتبادل المعلومات. ويقول المستشار: _قدمنا معلومات بما فيها تحليلات شاملة عن مستقبل سوريا أعدها متعهدون أو الكليات الحربية. ولهذه الدول الحرية باستخدامها بالطريقة التي تريد بما في ذلك إشراك الأسد بها_. ويفيد التقرير بأن هيئة الأركان اشترطت شروطا عدة منها قيام النظام السوري بضبط حزب الله ومنعه من الهجوم على إسرائيل واستئناف المفاوضات من جديد مع إسرائيل لتسوية ملف الجولان واستقبال مستشارين روسيين وغيرهم وإجراء انتخابات حرة بعد نهاية الحرب ومفتوحة للجميع. ويقول المستشار: _حصلنا على رد إيجابي من الإسرائيليين الذين استعدوا لتنفيذ الفكرة ولكنهم كانوا يريدون معرفة رد فعل إيرانوسوريا_. ويستدرك هيرش بأنه رغم أن الأسد أخبر الروس أنه لن يتخذ قرارا فرديا دون الرجوع للجيش والطائفة العلوية وأنه كان يخشى من موافقة إسرائيل وعدم التزامها بالصفقة إلا أنه اتصل بعد معاناته من انشقاقات في جيشه وعبر الروس مع إسرائيل وعرض عليها التفاوض حول الجولان ورفض طلبه لأن الإسرائيليين كانوا يرون أن _الأسد انتهى_. وتنوه المجلة إلى أنه في محاولة للتعرف على ما يريده الأسد وجس نبضه فقد تلقت هيئة الأركان رسالة من النظام عبر صديق بأنهم يريدون _رأس بندر بن عبدالعزيز الذي كان مسؤولا للأمن القومي السعودي ومن الداعين إلى الإطاحة بالأسد. واستقال بندر العام الماضي من منصبه وحاولت هيئة الأركان البحث عن وسائل أخرى كي تظهر للأسد جديتها لمساعدته. ففي هذه الفترة كانت (سي آي إيه) تقود عملية لنقل الأسلحة من ليبيا عبر تركيا إلى المعارضة السورية وبدأت العملية بعد مقتل القذافي في 20 أكتوبر 2011 إلى سبتمبر 2013 وأدارها الملحق التابع ل(سي آي إيه) في بنغازي. وأظهرت وثائق أن السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز الذي قتل في 11 سبتمبر 2011 التقى مع ممثل (سي آي إيه) في بنغازي كما وقابل قبل وفاته مسؤولين في شركة خدمات بحرية كانت معروفة لدى هيئة الأركان المشتركة بأنها الجهة التي تشحن السلاح إلى سوريا. ومن هنا حاولت هيئة الاركان إقناع (سي آي إيه) بالبحث عن مصدر للأسلحة رخيص ونقله من تركيا التي تعد أقرب إلى سوريا من ليبيا_.ويقول المستشار: _عملنا مع الأتراك الذين نثق بهم ولم يكونوا موالين لأردوغان وطلبنا منهم شحن أسلحة انتهت صلاحيتها للجهاديين بما فيها بنادق (إم1 كارباين) التي لم تر منذ الحرب الكورية وأسلحة سوفييتة قديمة وكانت رسالة للأسد يمكن أن يفهمها: لدينا القدرة لتعطيل سياسة الرئيس في مسارها_. ويعلق الكاتب بأن تدفق المعلومات الأمنية وشحن أسلحة منتهية الصلاحية جاءا في وقت حرج للنظام السوري حيث عانى من خسائر في ربيع عام 2013 في حربه ضد جبهة النصرة وغيرها من الجماعات المتشددة وفشل في الحفاظ على مدينة الرقة. ويشير التقرير إلى لقاء استخباراتي دعا إليه في يناير 2014 مدير _سي آي إيه_ جون برينان قادة مخابرات الدول العربية ومن الشرق الأوسط وعقد في واشنطن. وكان يهدف منه إقناع السعوديين بالتوقف عن دعم المقاتلين السوريين. ونقل عن المستشار لهيئة الأركان قوله: _أخبرنا السعوديون بأنهم مستعدون للاستماع_. ولهذا جلس الجميع للاستماع لبرينان لإخبارهم أن عليهم دعم المعتدلين والتوقف عن دعم جبهة النصرة وتنظيم الدولة. وتكشف المجلة عن طبيعة العلاقات السورية الأمريكية المضطربة ففي الوقت الذي عملت فيه واشنطن على زعزعة الاستقرار وودعم أمريكي لجبهة الإنقاذ الوطنية التي يتزعمها نائب الرئيس المنشق عبد الحليم خدام والمدعومة من السعودية والإخوان المسلمين ودعم مرشحين مستقلين لمجلس الشعب السوري فإن النظام السوري فتح في مرحلة ما بعد هجمات 11/ 9 سجونه لاستقبال معتقلي تنظيم القاعدة وتعذيبهم. ويقول مسؤول إن _بشار كان ولسنوات مساعدا لنا_. وفي عام 2002 أمر الأسد المخابرات السورية بتسليم مئات الملفات الداخلية عن نشاطات الإخوان المسلمين في سورياوألمانيا للأمريكيين. وفي نهاية ذلك العام أحبطت المخابرات السورية هجوما لتنظيم القاعدة على المقر الرئيس للأسطول الأمريكي الخامس في البحرين. كما وسلم النظام السوري أقارب لصدام حسين لجأوا إلى سوريا. ويوضح هيرش أن القنوات السرية استمرت حتى نهاية فترة ديمبسي ويقول إن _الطريق العسكري غير المباشر للأسد اختفى بتقاعد ديمبسي في سبتمبر وفي شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بالكونجرس يوليو قال خليفته الجنرال جوزيف دانفورد أي قبل شهرين من توليه المنصب: (لو سألتوني عن الأمة التي يمكن أن تمثل تهديدا وجوديا على الولاياتالمتحدة فعلي أن أشير إلى روسيا). ويضيف: (لو نظرتم لتصرفاتهم فهي بالتأكيد مثيرة للقلق)_. ويختم الكاتب تقريره بالإشارة إلى أنه في شهادته أمام الكونغرس في أكتوبر رفض دانفورد كونه رئيسا لهيئة الأركان العمل العسكري الروسي في سوريا مخبرا اللجنة ذاتها بأن روسيا _لا تقاتل_ تنظيم الدولة. وأضاف أن على أمريكا العمل مع شركاء تركيا لتأمين الحدود الشمالية مع سوريا و_عمل ما يمكننا لمساعدة المعارضة الموثوقة لقتال تنظيم الدولة_.