اختارت الولاياتالمتحدةالأمريكية ما أسمته “خيارا بديلا” كاستراتيجية لإرضاء مختلف حلفائها وشركائها، في حربها الكونية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا، رغم تضارب مصالحهم وأهدافهم وتعارض شروطهم أحيانا، وتختصر هذه الاستراتيجية في توجيه ضربات جوية دقيقة لمقاتلي داعش وتخصيص 500 مليون دولار لتدريب وتسليح 5 آلاف من مقاتلي ما تسميهم بالمعارضة السورية المعتدلة، في إشارة إلى “الجيش السوري الحر”، تكون مهمته قتال “داعش” وإسقاط نظام الأسد في نفس الوقت. في الوقت الذي تشترط السعودية والإمارات على الولاياتالمتحدةالأمريكية لتشمل ضرباتها الجوية قواعد الجيش السوري النظامي مقابل مشاركتها في الحرب على داعش، تضغط روسياوالعراق على واشنطن بأن تقتصر ضرباتها الجوية على مقاتلي داعش والتنظيمات المصنفة “إرهابية”، دون أن تطال الجيش السوري النظامي. واشنطن رفضت الاستجابة لطلب سعودي بضرب الجيش السوري وفي هذا السياق كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن أشهرًا من الاجتماعات الأمريكية مع قيادات سعودية وإماراتية وبحرينية وقطرية أعقبت قرار الضربات العسكرية في سوريا. أبرزها كان في 11 سبتمبر الفائت وفي قمة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، والذي قال فيه بالحرف “سندعمكم بكل ما تحتاجون إليه”. وجاءت الموافقة السعودية بالمشاركة في العمليات العسكرية ضد داعش بعدما تعهدت لها واشنطن بتدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة في معسكرات تدريب في كل من السعودية والإمارات، حسب الصحيفة الأمريكية. وأشارت الصحيفة إلى أن عدة خلافات سادت المفاوضات بينها طلب خليجي بأن تستهدف الضربات قوات الرئيس السوري بشار الأسد خلال مواجهته المعارضة المعتدلة. وأضافت أن “المفاوضات منحت الأمريكيين غطاء عربيًا وليس قوة عسكرية بحسب المسؤولين، ومنحت الدول العربية التزامًا أمريكيًا بتقوية المعارضة وانخراطًا عسكريًا تأمل بتوجيهه لفرض حل سياسي في سوريا”. وهذا ما بدا واضحا في تصريحات كيري أول أمس في مقال لصحيفة “بوسطن غلوب” إن “الحرب التي تخوضها الولاياتالمتحدة ضد تنظيم داعش المتطرف لا تساهم في بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم”. وقال كيري “في هذه الحملة لا يتمثل الأمر في مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد”. أمريكا لا تستبعد إرسال قوات برية إلى سوريا ولم يستبعد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال دارتن ديمبسي توصية الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإرسال قوات إلى سوريا لمحاربة “داعش”، إلا أنه شدد على أن “الأمور لم تصل إلى هذه النقطة بعد”. وقال ديمبسي إن “السيناريو الأمثل هو قيام قوات مشتركة عربية وكردية في العراق وقوات من المعارضة السورية المعتدلة في سوريا بمواجهة التنظيم عسكريا على الأرض؛ وأنه إذا اقتضت الحاجة لمساعدتهم بشكل أكبر فإنني سأوصي بذلك”. واعتبر ديمبسي أن “الغارات الجوية وحدها لن تهزم داعش”، مضيفا أن هناك “مكونا على الأرض” لدعم الغارات الجوية في سوريا ويشكل جانبا مهما في الاستراتيجية الأمريكية، ونحن على قناعة من أن تطوير هذا المسار يكمن في التعويل على المعارضة السورية المعتدلة”. وأشار في هذا الصدد إلى أن “الولاياتالمتحدة تقدر أن الجيش السوري الحر بحاجة إلى قوة قوامها بين 12 إلى 15 ألف مقاتل لاستعادة الأراضي التي تمت خسارتها أمام داعش في شرق سوريا”، مجددا الثقة من إمكانية القيام بذلك، وأن الجيش السوري الحر بحاجة لهيكلة عسكرية وسياسية، وهو أمر سيتطلب بعض الوقت”. دمشق تعارض إقامة منطقة عازلة بطلب تركي من جانبه عرض وزير الخارجية السوري وليد المعلم على الولاياتالمتحدةالأمريكية التنسيق الأمني لقتال داعش والنصرة، وقال “الغارات الجوية وحدها لا تستطيع القضاء على داعش ولا بدّ من أن يصلوا إلى أهمية التنسيق، نحن أبناء الأرض ونحن أدرى بما يجري عليها”. وأكد وزير الخارجية السوري أنه لا يوجد تنسيق مع التحالف الدولي في ضرباته، وقال “نحن أعلمنا عبر مندوبنا الدائم في نيويورك من قبل المندوبة الأمريكية ثم من قبل وزير خارجية العراق بنية الولاياتالمتحدة والتحالف شن غارات على مناطق تواجد داعش وجبهة النصرة، ونحن قلنا إننا مع أي جهد يصب في مكافحة الإرهاب في إطار قرار مجلس الأمن 2170، أما التنسيق العملياتي فلا يوجد”. وأكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم في حوار له مع قناة الميادين في نيويورك، أن هناك ترابطاً بين كلام تركيا وإسرائيل عن إقامة منطقة عازلة في الشمال والجنوب، معتبراً أن “أي اعتداء على الأراضي السورية هو عدوان تحت أي ذريعة كانت”. وكان وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل صرح أن “بلاده تنظر في طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود السورية التركية حيث يلجأ عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين”، لكنه لم يشر إلى أي طلب إسرائيلي عن منطقة عازلة في جنوبسوريا على الحدود مع فلسطينالمحتلة. الجيش الحر ليس جاهزا لملء الفراغ يملك الجيش السوري الحر عدة كتائب مقاتلة متركزة بالأخص في شمال غرب سوريا كحلب وأجزاء من حمص وحماة وريف درعا جنوبا، ويتقاسم مناطق مختلفة من سوريا مع تنظيمات مسلحة معارضة مثل جيش المجاهدين والجبهة الإسلامية، وكتائب لواء التوحيد، وجبهة أنصار الدين التي تضم فصيلين ضمتهما أمريكا إلى قائمة التنظيمات الإرهابية، وهما جيش المهاجرين والأنصار (الشيشاني) وحركة شام الإسلام. وساعدت الضربات الجوية الغربية العربية في تحقيق تقدم بسيط للجيش السوري في الميدان، لكنها حرمته من استعمال سلاح الطيران، ما سمح لمقاتلي المعارضة من رفع من وتيرة هجوماتهم على الجيش النظامي، خاصة في مدينة حلب وريفها التي تمثل أكبر ميدان للمعارك في سوريا بين الجيش النظامي والجيش الحر وتنظيمي داعش والنصرة وفصائل أخرى. وتضع فصائل الجيش الحر و«الجبهة الإسلامية” و«جيش المجاهدين”، كل ثقلها في الفترة الأخيرة لصد محاولات التقدم على جبهتي القتال المشتعلتين مع قوات النظام السوري وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) منذ أشهر، وهو ما لا يسمح لها بملء أي فراغ قد يتركه انسحاب قوات داعش من الأراضي الشاسعة التي سيطرت عليها شرق سوريا، لتترك المجال لقوات الجيش النظامي لاستعادة زمام المبادرة.