يقول تعالى في كتابه العزيز »الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلا« فالمال بلا شك من نعم الله على عباده، ونوع من أنواع الزينة في الحياة، وهو هام لقضاء مصالح الناس. وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نكتسب أموالنا من طريق حلال طيب كما في قوله »يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبا«، في الوقت ذاته نهانا عن إضاعة المال »وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً«، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: »إن الله كره لكم ثلاثا«، ذكر منها »إضاعة المال«. ولذلك نجد تحريم الله سبحانه وتعالى الاعتداء على الأموال بأي صورة من الصور فقال عز وجل: »وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بالإثم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون«. تعريف الإسراف في اللغة هو مجاوزة الحد في النفقة، وقد يكون عند الغني والفقير، ولهذا قال سفيان الثوري رضي الله عنه: »ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلاً«، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنه: »من أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف«. والإسراف يعد سمة سيئة في صاحبه، حسب ما يؤكد الشيخ فرحات السعيد المنجى من علماء الأزهر لموقع »محيط« وهو من الأخلاق التي تعود على صاحبها وعلى المجتمع والأمة بالكثير من الأضرار، ونهانا الله عز وجل عنه فقال: »يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ«. وقال تعالى في مدحه الوسطاء في النفقة الذين لا يبخلون ولا يسرفون: »وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما«، وقال عز وجل: »وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً«. يقول المنجى: والله تعالى حرم كل صور الاعتداء على المال وإتيانه في غير مكانه وإضاعته، لذلك نرى تحريم السرقة بل ووضع حد للسارق بعد ثبوت ارتكابه السرقة« وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ« إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة التي تحرِّم الاعتداء على الأموال وإضاعتها. ويرى الشيخ المنجى أن هناك أسباباً تؤدي إلى الإسراف والتبذير والتي منها جهل المسلم بتعاليم ديننا التي تنهانا عن الإسراف بشتى صوره، فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة« ولا تجعل يدَك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً« وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد »وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين«، والجهل هو الذي يجعله يتجاوز الحد في المباحات، سواء في المأكل والمشرب الأمر الذي يؤدي إلى السمنة وامتلاء البدن وسيطرة الشهوات، وبالتالي الكسل والتراخي مما يؤدي به إلى الإسراف، وقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف). ويعرف الدكتور سالم عبد الجليل الإسراف بأنه صرف فيما لا ينبغي زائدا على ما ينبغي، أما التبذير فإنه صرف الشيء فيما لا ينبغي وأيضا فإن الإسراف تجاوز في الكمية إذ هو جهل بمقادير الحقوق، والتبذير تجاوز في موضع الحق إذ هو جهل بمواقعها (أي الحقوق)، يرشد إلى هذا قول الله سبحانه في تعليل النهي عن الإسراف (إِنَهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ) وقوله عز وجل (إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشِّطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)، وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الإسراف والتبذير قد يردان بمعنى واحد، ومن ثم فقد يرد أحدهما ويراد به الآخر. يقول دكتور سالم: الاثنان غير جائزين الإسراف والتبذير يقول جل وعلا: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ) ويقول سبحانه: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا)، فعلى المؤمن في أكله وشربه وصنعه الطعام أن لا يكون مسرفاً يعد الطعام الذي يحتاج إليه وإذا بقى شيء صرفه في جهات الخير أعطاه الفقراء والمساكين، وأما التبذير هو تبذيره في غير وجه صرفه في اللعب في القمار في المعاصي كل هذا من التبذير فالواجب أن يصان المال، الرسول نهى عن إضاعة المال، والمال له شأن فالواجب أن يصان عن الإضاعة ولا يبذر المؤمن ولا يسرف فيه بل يصونه ويصرفه في وجوه الخير في الصدقة في إكرام الضيف في إعانة المعسر، في تعمير المساجد والمدارس وتعليم القرآن والسنة، فيجب أن يصرف في وجوه الخير. واعتبر الدكتور سالم الغفلة عن طبيعة الحياة وما ينبغي أن تكون سبباً فى كون المسلم مسرفاً، فالحياة الدنيا لا تثبت ولا تستقر على حال واحد والواجب يقتضي أن نضع النعمة في موضعها، وندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال وصحة إلى وقت آخر. وقد يكون اليسر بعد العسر سبباً آخر في الإسراف، ذلك أن كثيراً من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان فإذا هم صابرون محتسبون، وقد يحدث أن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال فينقلب على النقيض تماماً، فيكون الإسراف والتبذير. ولاشك أن صحبة أناس مسرفين لها تأثير كبير، فقد يكون السبب في الإسراف إنما هي صحبة المسرفين ومخالطتهم، ذلك أن الإنسان غالباً ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، فالمرء كما قال صلى الله عليه وسلم: »على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل«. وكذلك حب الإنسان للظهور والتباهي أمام الناس والتعالي عليهم، فيظهر لهم أنه سخي وجواد، فينال ثناءهم ومدحهم، لذا ينفق أمواله في كل حين وبأي حال، ولا يهمه أنه أضاع أمواله وارتكب ما حرم الله. ويعدد الدكتور عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر صور كثيرة في حياة الناس حين يراها العبد بمنظار الشرع تعدُّ إسرافا وتبذيرا وتجاوزا للحدود، فمن التبذير أن ينفق المسلم ماله فيما لا يجدي عليه نفعاً في دنياه ولا يكسبه أجراً في أخراه، فإنفاق المال على السجائر والمخدِّرات والمسكرات من أعظم صور الإسراف والتبذير، وإنفاقه في كثرة الطعام والشراب بل ورمي الطعام والشراب في القمامة من صور الإسراف والتبذير، والغريب أن بعض الدول الإسلامية تبلغ نسبة فضلات الأطعمة الملقاة في القمامة فيها 45٪، أليس هذا إسرافا وتبذيرا؟ ثم إن من صور الإسراف والتبذير أيضاً أن يضع المال في الدور والمباني التي لا يحتاج إليها وعساه لا يسكنها أو يبنيها لأعدائه، ويأتي بأشياء باهظة وبالجملة فإن صور الإسراف والتبذير كثيرة، نسأل الله أن يقينا والمسلمين شرها، وأن يجنبنا جميعا كل مكروه وسوء.