يحنّ الفنان التشكيلي فيصل بركات لمدينته بسكرة رغم أنه يعيش فيها؛ ربما لأنه متيَّم بها، أو ربما لخوفه الشديد من زوال معالمها، فيلجأ إلى رسمها؛ علّه يتمكن من الاحتفاظ ببعض تفاصيلها وإن كان يرغب بشدة، في أن يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراثها العريق. يعرض الفنان فيصل بركات لوحاته التي رسم معظمها عن بسكرة برواق "عائشة حداد" تحت عنوان "حنين" بتقنيتَي الرسم الزيتي والأكوارال؛ حتى لا تُنسى معالمها التي ضاعت بعضها، للأسف، إلى الأبد! وكذا عن طبيعتها الفريدة من نوعها؛ مثل القنطرة، والدشرة الحمراء، وساقية مشونش، وحديقة لاندو، وغيرها من اللوحات التي أقسم الفنان أن يرسمها وكلّه أمل في أن يتم إنقاذ تراث المنطقة؛ مثل البيوت الطينية التي تخلى عنها أصحابها، فأصبحت مهملة من الطبيعة التي فعلت فعلتها فيها، ومن هجران ساكنيها. حقا لا يمكن زيارة معرض بركات دون تخيّل أنفسنا في بسكرة، نتنعّم بجمال حديقة لاندو التي تُعدّ ثاني أكبر حديقة في الجزائر. كما نرى أنفسنا نزور القنطرة التي تُعد همزة وصل بين الشمال والجنوب وسط الشرق الجزائري، وتضمّ عدّة أحياء عتيقة، من بينها الدشرة الحمراء التي تلتصق مبانيها المشيّدة بالحجارة والطوب. أما شوارعها فضيّقة، بالإضافة إلى مشونش التي تقع بين الأوراس والزيبان، وتُعدّ مسقط رأس الشهيد العقيد حواس. ومن جهة أخرى، استعمل التشكيلي في لوحاته هذه، ألوانا باردة لكنها تمنح زائر المعرض شيئا من الدفء؛ كيف ذلك؟ ربما لأنّها ألوان أصلية؛ أي أنّها تعبّر فعلا، عن ألوان مواضيع اللوحات الموجودة في الطبيعة، وفي العمران، علاوة على أنّ كلّ لون له مكانه الخاص في اللوحة؛ فلا يمكن تخيُّله في مكان آخر، ليشكّل بذلك مع كلّ الألوان الأخرى، تناسقا جميلا. بالمقابل، لم يبخل بركات بفنه ليرسم أيضا، مواقع من الجزائر العاصمة التي يحبّها كذلك، فرسم لوحة عن تمثال الأمير عبد القادر بشارع العربي بن مهيدي، وكذا امرأة ترتدي الحايك تمشي في القصبة بالقرب من عين من عيون المحروسة. وفي لوحة أخرى رسم مركبا يرسو في ميناء العاصمة. كما رسم البريد المركزي بكلّ شموخه.. ومايزال الفنان فيصل بركات يؤرّخ لمدينته بسكرة، آملا أن تتم حماية معالمها المتميّزة، والتي زال العديد منها؛ فهل سيلقى نداؤه صدى؟.