ولد الإمام المازري في مارز بجزيرة صقلية التي نسب إليها واسمه أبوعبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي وتوفي بالمهدية سنة 536 هجرية الموافق لسنة 1141 للميلاد عن عمر بلغ نيف وثمانين سنة. يقول عنه الشيخ محمد مخلوف هو خاتمة المحققين والأئمة الأعلام المجتهدين الحافظ الناظر كان واسع الباع في العلم والاطلاع مع ذهن ثاقب ورسوخ تام بلغ درجة الاجتهاد ... وكان رحمه الله كثير الحكايات عن الصالحين في مجالسه ويقول: هو جند من جنود الله تعالى. ويقول عنه حسن حسني عبدالوهاب: بث ما وسعه صدره من العلم الغزير والمادة الواسعة فنشر العلوم الدينية والفنون على اختلاف أنواعها ومراميها ومن ذلك الحين ذاع صيته في الآفاق وطبقت شهرته المشرق والمغرب فكانت حلقة دروسه تشمل المئين. وقال عنه الشيخ محمد مخلوف أيضاً: كان يفزع إليه في الطب كما يفزع إليه في الفتوى. الفتوى (سأل أحد القضاة الإمام المازري رحمه الله أنه رفع إليه يهودي بيده حرير أتى لبيعة وشوهد من تخبيله وتمريثه ما أوجب الريبة أنه مأخوذ منتهب من قافلة ذكرها فأحضر اليهودي جماعة من أهل قفصة شهدوا بأنه أمين ممن لا يقع في مثل هذه الريبة وقد عُقل الحرير حتى يأتي الجواب ؟ فأجاب المازري بالقول: إذا لم يثبت إلا الاسترابة بالتخبيل والتمريث وشهد عدول أو جماعة ظاهرهم الستر لا يواطئون على الكذب بأن اليهودي لا يليق به شراء ما يُنسب إليه ومقتضى حالة التباعد من مثل هذا استظهر عليه باليمين أنه لا يعلمه ممن نُهب من القافلة وغيرها التي أشار إليها من شهد بالاسترابة وسلًم له. فوقع تحت الجواب يحلف اليهودي في الكنيسة وحيث يعظم منها بالله الذي لا إله إلا هو أن الحرير المذكور ما هو من القافلة التي أعلمت ولا اشتراه إلا ممن باعه بوجه صحيح ولا أعلم فيه ريبة ولا دلسة فمن حضر يمينه المنصوصة في الموضع المذكور قًيد شهادته في شهر كذا من سنة كذا) انتهت فتوى الإمام المازري رحمه الله يستفاد من هذه الفتوى التالي: 1 - أهمية العلاقة بين القضاء والإفتاء 2 - اعتماد القضاة على المفتين والاستفسار منهم في بعض القضايا التي تتطلب رأي المفتين 3 _ حق المواطنة وكفالة حق التقاضي لكل مواطن ولا اعتبار لاختلاف الدين. 4- اعتماد اليمين وفق عقيدة الحالف وفي مكان عبادته رغم أنه أمام قضاء وإفتاء دار الإسلام وهو ما يعرف بكفالة حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر والعبادات في الدور والكنس. 5 - القسم في قضية مطروحة أما القضاء والإفتاء يحفظ لليهودي قسمه في دار عبادته. هذا تكفل الشريعة الإسلامية حقوق المواطن وتحترم دينه وتكفل له حرية الاعتقاد وتضمن له حق التقاضي ويدعم الإفتاء هذه الحقوق انطلاقا من مبادى أحكام الشريعة الإسلامية وتعتبر فتوى الإمام المازري إعلانا متقدما في تقرير حرية الإنسان وإقرار مبادئ المواطنة واثبات مبادئ أن الإنسان بريء حتى تثبت إدانته ولا تقوم الإدانة على مجرد الظن أو الشك بل تدفع بالشك والاسترابة وتعيد المتهم إلى سابق ما كان عليه قبل الاتهام طالما لم يوجد دليل يقيني على التهمة وتؤكد له حقوقه من خلال الكتابة وتدوين القسم والتأكيد عليه من خلال الشهود. هذه الشريعة السمحاء تؤكد صلاحيتها لكل زمان وفي كل مكان ولكل إنسان عندما تجد من يعمل بها ويطبقها على أرض الواقع لتكفل العدل والمساواة لكل أفراد المجتمع الذي تسوده أحكامها الغراء.