برزت حاجة الجزائر للمسارعة إلى استحداث منصب مفتي الجمهورية، أو دار للفتوى عقب الفوضى الكبيرة التي أحدثتها طريقة أخذ الصور الشخصية من أجل تجسيد العمل بالوثائق البيومترية المتمثلة في جواز السفر وبطاقة التعريف الوطنية، وهذا بهدف وضع حد للفوضى الجارية في مجال الفتوى، وإعطاء مصداقية للمرجعية الدينية الجزائرية. تتجه الأمور في الأوساط الدينية نحو الإجماع على ضرورة الحزم في قرار تعيين مفتي الجمهورية في الجزائر، خاصة بعد الفوضى التي وقع فيها الجزائريون الأيام القليلة الماضية، والتي لم تقتصر على الطبقة الدينية، بل من قبل الشارع الجزائري وحتى من أعلى الهيئات الدينية والأحزاب، فبين مؤيد ومعارض لمعايير أخذ صور البطاقات البيومترية ظهرت الحاجة الملحة إلى مفتي الجمهورية للحزم في مثل هذه الأمور، خاصة بعد الفتوى التي أطلقها المفتي العام للملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل الشيخ بمعارضته لتعليمات وزارة الداخلية في هذا الشأن. فالشارع الجزائري قبل المشايخ والعلماء يطالب بهيأة إفتاء للحد من فوضى الإفتاء في الجزائر، ورغم الحاجة الملحة إلا أن الخلاف حول تجسيد فكرة مفتي الجمهورية ميدانيا يمر بعامه الثامن على التوالي بين وزارة الشؤون الدينية والأوقاف من جهة والمجلس الإسلامي الأعلى من جهة أخرى، فبينما تقترح الوزارة إنشاء دار للإفتاء يرأسها مفتي الجمهورية وتعطى له صلاحيات الفتوى في مختلف الأمور الحياتية، تصر هيئة المجلس الإسلامي الأعلى على ضرورة تحديد صلاحيات مفتي الجمهورية مقارنة بالصلاحيات الممنوحة لهيئة المجلس. وترى مصادر من وزارة الشؤون الدينية تحدثت ل ''الحوار'' أن ''هناك حاجة ملحة جدا اليوم لتنصيب مفتي الجمهورية لأن المجلس الإسلامي الأعلى رغم أهميته إلا أنه ليس له صلاحيات الإفتاء وإنما تنظيم الملتقيات، يشترط تحديد صلاحيات مفتي الجمهورية حتى لا تتعارض مع صلاحيات المجلس''، مقترحا ''وضع مفتي الجمهورية تحت سلطة وزير الشؤون الدينية تجنبا للفوضى في الفتوى كما هو حاصل في مصر من خلال فتاوى إرضاع الكبير وإباحة الردة''. ويرى مراقبون أن جوهر الخلاف حول استحداث منصب مفتي الجمهورية له علاقة بهوية الجهة التي يجب أن يتبع لها هذا المفتي، وهل تكون هي رئاسة الجمهورية أم تكون وزارة الشؤون الدينية أم يكون مفتي الجمهورية عبارة عن مؤسسة مستقلة لا تتبع لأية جهة، فضلا أن استحداث منصب المفتي قد يحل هيئة المجلس الإسلامي نهائيا، الأمر الذي ترفضه بعض الأطراف. وفي غياب هذا الأمر وجدت كل شرائح المجتمع الجزائري نفسها في مواجهة الموت باسم الدين والجهاد في سنين الجمر، ويتذكر الجزائريون كيف تبنت الجماعة الإسلامية المسلحة المعروفة باسم ''الجيا'' عام 1996 فتوى أبو قتادة المصري الشهيرة التي أفتى فيها بجواز قتل المدنيين والأطفال الصغار. وفي هذا الصدد تؤكد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على لسان الدكتور عمار طالبي في تصريح ل ''الحوار'' أنه لا تحركات توحي لحد الساعة بقرب تنصيب المفتي، حيث يقول المتحدث ''لم نستشر في هذا الموضوع ولم يطرح أساسا علينا من قبل الهيئات العليا في السلطة''، مما يوحي بعدم قرب الإفراج عن القضية. وقال المتحدث إنه يجب المسارعة في تعيين مفتي للجمهورية حتى يتم الحد من الفتاوى والاجتماع على رأي واحد. جدير بالذكر أن وزير الشؤون الدينية والأوقاف بوعبد الله غلام الله كان في كل مرة يؤكد أن مفتي الجمهورية من صلاحيات رئيس الجمهورية، كون إنشاء دار إفتاء سيكون هيأة تابعة لرئاسة الجمهورية. الشارع الجزائري: ''نحن بحاجة إلى مفتي جمهورية وليس لعلماء سعوديين'' اتفق الشارع الجزائري على العموم على ضرورة الإسراع في تنصيب مفتي الجمهورية حتى تزول الفتاوى غير الصحيحة وتقل الخلافات في أمور الدين بين الجزائريين الذين يحبذون إدارة شؤونهم بأنفسهم ولا يجب أن ينتظروا أن تأتيهم فتاوى من الخارج. وفي هذا الصدد يقول (م. ع) ''إننا بحاجة إلى مفتي جمهورية لكن الأهم هو أن نبين لهؤلاء الذين يقولون إن المفتي هو لخدمة الحاكم، مثل هذه الأقوال هي التي أدخلت الجزائر في دوامة العنف ويجب علينا احترام المفتي والاعتراف به، نحن لسنا بحاجة إلى من يدعي أنه يجب تطبيق الشريعة فقط''. وقد امتعض العديد من الجزائريين حول الفتوى التي أصدرها المفتي العام للملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، ردا على سؤال لمواطن جزائري عن موقف الدين من السلطات الرسمية الجزائرية التي فرضت، حسبه، قانونا جديدا لبطاقات التعريف وجوازات السفر، كان جواب الشيخ ''أبقوا اللحى على حالها وحافظوا عليها وتوكلوا على الله.. ومن يتق الله يجعل له مخرجا''، هذه الفتوى التي اعتبرها العديد من المتتبعين بعدم إذن من أكبر مرجعية دينية إسلامية في العالم خاصة بالنسبة للسلفيين، في الالتزام بالقانون الجديد لوزارة الداخلية الجزائرية، الذي يقترح على طالب جواز السفر تخفيف لحيته بالنسبة للرجل، وإظهار أجزاء محددة كالأذن بالنسبة للمرأة''. ويقول ناصر في نفس الموضوع ''عيب أن يفتي لنا شيخ سعودي ونفتقر نحن لمفتي جمهورية يرد على انشغالات الجزائريين''. وفي نفس السياق تقول أسماء ''لا يوجد مفتي للبلاد يرجع إليه أهل البلد في دنياهم وأحكام دينهم وعبادتهم ومعيشتهم''. بينما يرى آخر أن ''الفوضى هي بسبب الفتوى ..أية فتوى .. ولا يضر إن كان هناك مفت أم لا ..فالعطب في فكرة الفتوى وليس في ظاهرها. بينما اتفق العديد من عامة الشعب على أنه يوجد علماء في الجزائر ولكنهم مهمشون حسب ما أكدته سامية طالبة جامعية في كلية علوم الشريعة، ''إن الناظر في أحوال وزارة الشؤون الدينية يجدها مضطربة في اختيار المفتي لأنه لا يوجد شخص يستحق هذا إلا من رحم الله، ويوجد مشايخ كبار في الجزائر لكنهم مهمشون مع أنهم قدموا لبلادهم الخير الكثير وهم من ناقشوا التكفيريين في التسعينات من علماء ممن شهد لهم الجميع بالعلم والإمامة والتأصيل في الفتوى، يجب ألا يهمشوا أو يبعدوا عن الساحة ويجب فتح المجال لهم فو الله هم غنيمة يحرم الجزائريون من الاستفادة منهم''. أما ''أمين'' فيقول يجب مراعاة الجانب العلمي والأكاديمي للمفتي وليس الاعتماد على طول خبرته أو كبر سنه.