بقلم: خيري منصور* كانت القضية الفلسطينية ذات عروبة عاربة على قمة الأولويات فيما يتعلق بالأمن القومي والهوية الوطنية والذاكرة التاريخية ثم تراجعت إلى الثالثة والعشرين وخلال أقل من ثلاثة عقود تقلصت إلى مساحة فلسطين الجغرافية ثم إلى أقل من عُشر هذه المساحة وكان لها إطاران إنساني وإسلامي ثم رفع عنها المعطفان فأصابتها القشعريرة في عراء خريف قومي ليس له نهاية. فبأية معجزة وبأية كيمياء أصبح حجر المغناطيس برادة حديد؟ وفقد النسر جناحيه وتحول إلى سلحفاة مقلوبة على ظهرها؟ هذه الأسئلة تراودني جميعا بتفاوت في منسوب الصوت فثمة من يهمس بها مقابل من بحّ صوته من الصراخ لكن الحصيلة واحدة ما دام رهان سعد العربي على البقاء هو هلاك أخيه سعيد وما دام هناك أسوأ مثل في تاريخ البشرية وهو إذا جاء الطوفان اصعد على جسد ابنك كي تنجو وتطفو وإن كان هناك من طفوا على ما نزفوه من دماء ! لم يعد الخبر الفلسطيني جملة مفيدة ذات مبتدأ قومي وخبر إنساني إنه الآن يأتي على هامش النشرة الجوية وأحيانا لا يأتي على الإطلاق. كانت فلسطين ذات ثقافة وعروبة عاربة عاصمة الشعر العربي والكتابة بمختلف حقولها ثم بدأ الطّرد من الخطاب والقصيدة والمقالة والصحيفة بحيث أصبحت هي المشردة في شعاب الأرض وليس أهلها لأنهم استقروا في خيام من حجر ورخام. كم من الانقلابات والثورات والانتهاكات ارتكبت باسمها وكم هو عدد من شرّدوا وجاعوا وفقدوا حريّتهم من أجلها وأين هم الآن؟ أعرف أن معظمهم ينامون بل يسهرون في قبورهم لعلّ القيامة وشيكة. ما من قضية بوزنها وبمواصفاتها وعدالتها وتراجيديتها استُخدمت مطية لبلوغ مآرب لا علاقة لها بعذاباتها وأشواقها وحين قرأت ذات يوم قصيدة للشاعر اليوناني ريتسوس يقول فيها إن السيدة التي تنوء بحمولتها على الشاطىء الشرقي من البحر المتوسط تخلى عنها وخذلها الأبناء... لهذا سأناديها بلغتي القديمة: يا أمي.... وسواء كان ريتسوس أخي في الرضاعة أو الشعر أو الدم سأقول له إنها الآن الثالثة والعشرون لكن بعد الألف !!