بلغت الحالة الصومالية درجة من الخطر الانساني لا يجوز السكوت عنها. وجاوز الظالمون في سوريا الحبيبة المدى حتى بات الصمت وسيلة أخرى كي يقتل الشعب في شام البساتين مرتين، مرة على يد النظام المتحكم في قوته الأمنية ومرة على أيدينا نحن العرب والمسلمون العاجزون عن فعل شيء يحفظ للشعب السوري حياته وحاضره. فماذا يعني الصمت العربي والاسلامي أمام المشهدين الصومالي والسوري؟ وما المطلوب عمله حتى لا تظل الساحة العربية والاسلامية موضوعا للدراسة فيما له علاقة بالثورة الشعبية ، العنف المنظم، الفوضى الخلاقة وأخيرا المجاعة والفقر؟ الصومال أو الموت جوعا دخل الاسلام الصومال قبل أن يدخل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العام الخامس للبعثة أو قبل 1440 عاما ومع ذلك لم يستفد المسلمون من الموقع الاستراتيجي لهذا البلد في إنشاء دولة قوية على المحيط الهندي حيث الممرات البحرية بين دول غرب وجنوب افريقيا وبقية العالم . والصومال عضو كامل العضوية في جامعة الدول العربية، وفي منظمة التعاون الاسلامي المؤتمر الاسلامي سابقا وفي منظمة الاتحاد الافريقي وفي هيئة الأممالمتحدة، ولكن الصومال بعدد سكانه العشرة ملايين نسمة وهو عدد متواضع على سلم الديموغرافيا لم ينل شيئا من اهتمامات المنظمات المذكورة خارج دائرة تجارة الأسلحة، واستخدامه كحجر في لعبة الارهاب القذرة. والنتيجة صراع الأخوة الأعداء حول الحكم، ومن ثمة فقر ومجاعة أتت لحد الساعة على 30 ألف صومالي في الموجة الأخيرة من الجفاف وحدها. يفسر الاهمال الدولي للشأن الصومالي بنفس تفسير العداء الغربي للسودان مع فرق الامكانيات بين البلدين وهو الخوف من تحالف الاسلام السياسي مع الديمقراطية حيث من المحتمل تشكل قطب اقليمي لا يلبي أهداف الأنظمة العربية ولا أنظمة الغرب ولا أهداف اسرائيل في غرب افريقيا أي تجارة السلاح ونهب الماس ونشر الشركات. كان بإمكان إدراج حالة الصومال في جوهر ملفات الجامعة العربية في الفترة السابقة، وكان بالامكان أن يستفيد الصومال من التسهيلات المالية والتنموية للبنك العربي للتنمية في افريقيا باديا ولو بصفة استثنائية مادام البنك مختصا في التدخل في حالات الدول غير العربية في افريقيا. وربما حان الوقت كي يعاد النظر في صلاحيات هذه المؤسسة التابعة لمجلس وزراء العرب حتى توسع تدخلها في الصومال. وعن الواجب الوطني، أبدت الجزائر استجابة انسانية من خلال حملة الاغاثة المزمع انطلاقها الى مقاديشو بعد غد الجمعة بمبادرة من جمعية الارشاد والاصلاح على أمل أن توظف الجهات الرسمية وعلى رأسها الخارجية ومؤسسة الهلال الأحمر الجزائري ووزارة التضامن إمكانياتها الديبلوماسية والخيرية لإسعاف إخوتنا في الصومال على أوسع نطاق وأعلى مستوى وبأكثر نجاعة. سوريا اليوم بركان وسيول دم من المنتظر أن يعلن اليوم في الجزائر عن ميلاد «التنسيقية الجزائرية لدعم الثورة السورية» بعد أن تجاوز عدد شهداء التدخل الأمني في سوريا ال 2000 شخص، وذلك أسوة بالجارة تونس التي تمكنت من إسقاط حكم بن علي في أيام . وكما نال الصمت العربي والاسلامي والدولي منالا من القضية الصومالية، نال أيضا من القضية السورية، لا لشيء إلا لطبيعة النظام السوري الذي كرس في الذهن الشعبي الصورة النمطية للمقاومة والممناعة والتصدي والعروبة والقومية، وهي شعارات استخدمتها جميع الأنظمة العائلية واستثمرت فيها حتى تمكنت بواسطتها من تطويق كل معارضة أو تشكل نخبوي أو حراك ثوري أو رأي سياسي جديد أو محاولة لانتقال ديمقراطي . وسرعان ما اعتنقت النخبة في العالم العربي صورة الزعيم القومي المقاوم للكيان الصهيوني الواقف في وجه أمريكا حتى فقدت كل امكانيات الفعل السياسي واستسلمت للصمت في حالة انكشاف أمر الزعيم وأنه لم يصب العدو بأذى بل لعب دور الخصم الخارجي المصطنع لاسرائيل ولأمريكا حتى تتمكن من ضمان أمنها داخليا واقليميا ودوليا. وفي الحالة السورية، ظل الجولان محتلا منذ 1967 دون أية محاولة لتحريره، وظلت المعارضة مطاردة منذ 1971 دون أية عملية للتصالح معها، وظلت عائلة (آل الأسد) حاكمة منذ 40 سنة دون أية خطوة لمنافستها، وظلت الطائفة (العلوية) المستفيد الحصري من كل خيرات البلاد، وهجرت النخبة إلى كل منافي الدنيا وعاشت الشركات الأمريكية والاسرائلية على الاقتصاد السوري الذي لم يبد لحد الساعة إشارات نمو قوية عكس الجارة تركيا التي مكنتها ديمقراطية الحكم من احتلال الرتبة 15 على سلم القوة الاقتصادية في العالم وتطمح للرتبة 9 العام 2015. نعم صمتنا نحن المثقفون لأننا خدرنا بصورة الزعيم ولأن الجيل السياسي الحالي لم يفرز بديلا عن ذلك الزعيم وشعارات حكمه، وبعضنا صمت لأنه رأى في الثورات العربية تطبيقا لنظرية الفوضى الخلاقة ونظرية المؤامرة عندما يتعلق الأمر بدول تحسب على خط المقاومة مثل سوريا، ولكن ما حدث أخيرا في مدن: حماه، حلب، دير الزور، درعا، حمص وريف دمشق، ومع أن تجاوز الظالمون المدى وعجز ما تبقى من النظام السياسي العربي عن الضغط على صانعي قرار دمشق لم يعد للصمت العربي والاسلامي مكان، وعلى جميع الشعوب في العالم إطلاق تنسيقيات دعم الانتقال الديمقراطي السلمي في بلاد الشام أي في المنطقة التي تشكل خط الهجوم الأمامي ضد المحتل الاسرائيلي وخط الدفاع المتقدم لتحرير فلسطين كل فلسطين.