تبذل الدولة مجهودات كبيرة فيما يتعلق بالتكوين المهني والتمهين، حيث قطعت الجزائر في هذا المجال أشواطا كبيرة، واستطاعت تحقيق عدة مكاسب مهمة في هذا الإطار، من خلال مراكز التكوين المهني التي تفتح أبوابها مطلع كل سنة أمام مئات الآلاف من المتربصين في مختلف المجالات والتخصصات، سواء التي تتطلب مستويات دراسية متوسطة، أو التي لا تتطلب غير المستويات البسيطة، ويتلقى المتربصون في هذه المراكز مهما كانت تخصصاتهم تكوينات مختلفة تتنوع حسب المستوى المحصل عليه وحسب الرغبة كذلك، انطلاقا من الإعلام الآلي والمحاسبة والتسيير إلى الحلويات والحلاقة والتجميل والطبخ وما إلى ذلك، ومثلما هو معلوم كذلك فإن المتربصين في بعض المجالات والتخصصات التي تتطلب تطبيقا ميدانيا، قد يحتاجون إلى آراء حول هذا التطبيق أو التربص الميداني خارج أسوار مركز التكوين المهني الذي تلقوا فيه تكوينهم ومنها على سبيل المثال تخصص الحلويات والمرطبات. ويختار هذا التخصص الكثير من الشبان وكذا التلاميذ الذين يغادرون مقاعد الدراسة باكرا، ولا يتمكنون من الالتحاق بتكوينات تتطلب مستويات دراسية عالية خاصة وأنه يضمن لهم حرفة مستقبلية بإمكانها أن تعود عليهم بالكثير من العائدات المادية، سواء اشتغلوا لدى الغير أو تمكنوا من فتح محلات خاصة بهم أو مخابز على المدى الطويل لم لا. إلا أن معاناة كبيرة تصادف بعض هؤلاء المتربصين خصوصاً منهم صغار السن أو التلاميذ الذين يغادرون مقاعد الدراسة قبيل وصولهم إلى السنة الرابعة متوسط، أي قبل بلوغهم سن ال16، ذلك أنهم يجدون صعوبات كثيرة في الحصول على مكان أو »مخبزة« يجرون فيها تربصهم الميداني، على اعتبار أنهم مطالبون بإجرائه خارج مركز التكوين المهني، أما إن وجدوه فإن بعض أصحاب تلك المخابز لا يمنحونهم ما يحتاجون إليه بالفعل، من كيفيات الإعداد وتحضير الأنواع العديدة من الحلويات والخبز والبريوش وما إلى ذلك من منتجات أخرى، ويعتمدون عليهم اعتمادا كليا في كافة الأعمال التي هي خارج هذا الإطار، وهو الاستياء الذي لمسناه لدى عدد من المتربصين في هذا التخصص في عدد من مراكز التكوين المهني بالعاصمة. يقول أحدهم وهو متربص في الشهر الأخير في هذا التخصص أي في مجال الحلويات والمرطبات، حيث يقوم حاليا بتربصه الميداني في أحد المخابز بالعاصمة، إن صاحب المخبزة والعاملين لديه، يمنعونه تماما من لمس أي شيء، ويجعلونه يكتفي بمجرد النظر إليهم فقط، مع أن ذلك لن يفيده في شيء مستقبلا ما دام قد تلقى التكوين النظري بأكمله في مركز التكوين المهني الذي يجري فيه تربصه، بالإضافة إلى أنه يتقن إعداد كيفيات كثيرة، حيث أنه يقوم بتجريبها مراراً في المنزل بإمكانياته الخاصة التي قامت والدته بتوفيرها له، وفوق منعه من لمس أو إعداد أي شيء في المخبزة فهو مجبر على القيام بكافة أعمال التنظيف وغسيل الأواني والكنس وما إلى ذلك، ولا يحق له التفوه بأية كلمة، وإلا فإنه سيحرم من توقيع وثيقة إتمامه التربص الميداني التي تؤهله إلى افتكاك »دبلومه في النهاية« والذي يستطيع من خلاله ولوج عالم الشغل حتى وإن كان في سن مبكرة جدا ما دام قد عجز عن الوصول إلى مستوى دراسي مقبول يؤهله للحصول على منصب عمل محترم. شاب آخر تعرض لنفس الحالة، إلا أنه كان أفضل من سابقه، لأنه رفض القيام بأعمال التنظيف، واستطاع مواجهة حوالي 3 خبازين، ورفض إتمام تربصه الميداني لديهم، لأنه رأى أنهم لا يرون فيه متربصا جديدا، وإنما عامل نظافة مقابل »لاشيء«، إذ يقول إنه حتى بعد أن طالب براتب أو مبلغ رمزي لا يتجاوز الألف دينار جزائري مقابل ما يقوم به من عمل نهاية كل أسبوع أو 15 يوما على الأقل كانوا يقابلونه بالرفض والتوبيخ، وهو ما لم يتمكن من احتماله إلى أن توجه لأحد معارفه، وتمكن بالفعل بعدها من تطبيق كل الكيفيات التي درسها وتعلمها داخل ذلك المركز، ويقول إنه لولا »المعريفة« لما تمكن من ذلك، ولبقي تحت رحمة هؤلاء الخبازين إلى أن ينتهي تربصه دون أن يجد نفسه قد تعلم شيئا بالفعل، إلا نظريا.