بعض الشباب استهوتهم لعبة سكب البنزين على الجسد في الأيّام الأخيرة اعتقادا منهم بأن حرق أجسادهم وإلقاء أنفسهم إلى التهلكة سيُدخلهم التاريخ على طريقة الشابّ التونسي الرّاحل محمد البوعزيزي غفر اللّه له إلى درجة أن بلادنا سجّلت في الأيّام الأخيرة عددا من محاولات الانتحار حرقا من طرف شباب توهّموا أنهم سيحلّون مشاكلهم بسكب البنزين على أجسادهم· وليس غريبا أن تتحوّل عملية حرق الأجساد إلى موضة عربية تنتقل من تونس إلى الجزائر، إلى مصر، إلى موريتانيا وربما دول أخرى بعد أن تحوّل محمد البوعزيزي إلى رمز ثوري كبير ينافس الأمير عبد القادر وعمر المختار· فالجميع يريد أن يصبح رمزا في بلده، وقد رأينا كيف أن بعض الذين أقدموا على حرق أو محاولة حرق أجسادهم في الجزائر مثلا لا يعانون من البطالة ولا يعيشون ظروفا بالغة السوء، وقد بحثوا في مخيّلتهم عن تبريرات يقنعون بها أنفسهم على التحوّل إلى بوعزيزي آخر· قد ينجح بعض حارقي أنفسهم في الحصول على بعض الاهتمام الإعلامي والجماهيري، لكن هذا الاهتمام سرعان ما يتحوّل إلى تجاهل مع مرور الوقت، حيث تبحث وسائل الإعلام عادة عن نماذج أكثر تميّزا وإثارة وإبداعا، وكلّما كثر عدد الذين يحرقون أنفسهم تراجع تأثيرهم وتراجع مستوى اهتمام وسائل الإعلام بهم، وبمرور مزيد من الوقت سيدرك هؤلاء الشبّان أنه ليس هناك في النّهاية سوى محمد بوعزيزي واحد، وأن التغيير المأمول لا يمرّ حتما عبر حرق النّفس وتعريضها للهلاك· وإن كان المنطق الهادئ يدفع أيّ عاقل إلى رفض الإقدام على محاولة الانتحار بأيّ شكل وتحت أيّ تبرير، فإن أيّ عاقل يرفض أيضا ممارسات بعض المسؤولين، خصوصا على المستوى المحلّي، الدافعة إلى سلوكات متطرّفة للغاية، فحين يوصد رئيس البلدية أو الدائرة وغيرهما من المسؤولين أبوابهم في وجه المواطن البسيط ولا يحاولون حلّ مشاكل والتخفيف من معاناته، فعليهم توقّع أيّ شيء لأن الشابّ اليائس الذي يشعر بالحفرة وعدم التقدير الكافي قد يفقد في لحظة قنوط المقدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، خصوصا إذا توفّرت له قدوة مثل البوعزيزي، وكان في محيطه خلاّطون يسعون إلى ضرب استقرار البلاد ويتمنّون لو أن كلّ الشباب أشعلوا النّار في أجسادهم وماتوا حرقا وكمدا·