بعد أن كان يميزها الخشوع والجزع على فراقه أسر تتباهى بجنائز موتاها وتحولها إلى شبيهة بالأعراس يعرف المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة العديد من الظواهر الدخيلة عليه ومن بين هذه الظواهر الغريبة التي سادت في مجتمعنا هي أن بعض الناس صار يشبه الجنائز بالأعراس وغيرها من المناسبات واتخذ منها فرصة للتباهي والتفاخر والإسراف والبذخ. مليكة حراث وقد أصبح هذا الأمر جليا ويظهر في بعض المأدبات التي تحضرها بعض الأسر والتي تكون مختلفة عن غيرها وفيها الكثير من المغالاة ويقصد البعض من هذه التصرفات والسلوكات أن يظهروا للناس أن للميت قيمة وشأنا كبيرين في العائلة وأن أسرته من الأسر الغنية والمحترمة ولها مكانة مرموقة في المجتمع. مظاهر جنائزية شبيهة بالأعراس هذه المظاهر السيئة باتت منتشرة كثيرا في الجنائز خاصة حين تحضر أبهى الأطباق والمأكولات وحتى الفاكهة من كل أنواعها ولا يقتصر الأمر على العشاء فقط بل أنها تبالغ حتى في السيارات التي ترافق موكب الجنازة والتي يعمد البعض إلى أن يكون موكبا مؤلفا من مختلف أنواع السيارات الفخمة ومن آخر الموديلات وقد بلغ الأمر يبعضهم استئجارها من أجل التباهي فقط أمام باقي أفراد الأسرة والأهل والجيران وزيادة على ذلك فإن قبر الميت لم يسلم هو الآخر من تلك البدع الجديدة إذ أصبح يزين بطرق غريبة بعيدة كل البعد عن تعاليم ديننا الحنيف كما أنها غريبة عن عادتنا وتقاليدنا فعلا هو ما أصبحت تفعله بعض العائلات حيث لم يترك فيهم أثر الموت ما كان يجب أن يتركه في قلب المؤمن من خشوع وجزع على فراقه الذي من المفروض أن يتعظ ويتذكر ويعود إلى طريق الصواب إن كان مخالفا له حيث أنه يتفكر في الموت والحياة وأن مصيره لا محالة مثل مصير ذلك الميت الذي كان لفترة وجيزة معنا هو أمر تجاهلته أو تناسته أو ربما لا يؤثر في بعض العائلات التي أضحت تصنع لموتاها مواكب الغرض الأول منها التباهي كما لو أننا في عهد الجاهلية الأولى والتي يقسم فيها الناس إلى نبلاء وأشقياء في الدنيا ولا يكتفي البعض بأن يقيموا للميت مأدوبة فيها بذخ كبير كأن يضيفوا مأكولات لم تعتد الأسر الجزائرية على إقامتها لموتاها ولم يفعل ذلك لا سلفنا الصالح ولا من أتى من بعده فأصبحت الجنازة شبيهة بالعرس ولولا القرآن الذي يتلى لحسب الناس أن الناس اجتمعوا لفرح لا لقرح فيحضر العشاء ومختلف أنواع المشروبات والحلويات خاصة إذا كان الميت شيخا هرما أو كان مريضا مرضا مزمنا أما الموكب الذي يحمل الميت فيكون مزينا ومكونا من مختلف السيارات التي تظهر في أبهى حلة وقد تتعمد أسرة المتوفى أن تكون سيارات من الطراز الرفيع بل إن بعض الأسر قد تستأجر سيارات فخمة لتشييع موتاها وهو ما نراه من حين لآخر في شوارعنا حتى أن الناس يتوقفون لمشاهدة الموكب الغريب الذي يحمل ميتا وتتبعه السيارات الفاخرة والجميلة والتي نُظفت حديثا حتى أن البعض يتفادى أن تكون ضمن الموكب سيارة قديمة فقد يكون التحضير للجنازة أكبر من التحضير للأعراس وحتى القبور لم تسلم هي الأخرى من مظاهر الترف والتفاخر فصارت تصنع كأنها قبب الأولياء بل وتسخر لها كل المواد الباهظة من الرخام وغيرها حتى يظهر القبر أعلى من غيره كما لو أن أسرته تريد أن تورثه ذلك العز والرفاهية التي كان يتمتع بهما في دنياه حتى أن بعض الأشخاص يوصون أسرهم بأن تكون لهم قبور بذلك الشكل رغم أن الشرع والدين يقولان عكس ذلك.