7 آلاف دينار مقابل مقرئ الجنازة مظاهر غريبة تسللت في غفلة من الأسر الجزائرية، لتترك بصمات واضحة على إقامة الجنائز، فهذه المناسبة التي تحوّلت من وقفة مع النفس للعبرة والموعظة من الحياة، إلى مجرد لقاء عابر بين الأهل والجيران لتبادل مختلف الأحاديث والأخبار، مع إقامة ولائم ضخمة على شرف الوافدين إلى الجنازة.. مليكة حراث طغت ظاهرة غريبة على مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة وهي أن بعض العائلات صارت تتخذ من الجنائز على غرار الأعراس وغيرها من المناسبات فرصة للتباهي والتفاخر والإسراف والبذخ، وهو الأمر الذي يظهر هذه الأيام في بعض المأدبات التي تحضرها بعض الأسر، والتي تكون مختلفة عن غيرها وفيها الكثير من المغالاة، ويقصد البعض من هذه التصرفات والسلوكات أن يظهروا للناس أن للميت قيمة كبيرة، وبالتالي فإن أسرته من الأسر الغنية والمحترمة، والتي لها مكانة في المجتمع، وهذه المظاهر السيئة باتت منتشرة كثيرا في الجنائز خاصة، حيث تحضر أشهى الأطباق والمأكولات وحتى الفاكهة من كل أنواعها، ولا يقتصر الأمر على العشاء فقط، حتى في الملابس الفاخرة والذهب إلى أن تعدى الأمر إلى السيارات التي ترافق موكب الجنازة والتي يسعى البعض إلى أن يكون موكبا مؤلفا من مختلف أنواع السيارات باهظة الثمن، ولو كان ذلك باستئجارها، بل حتى قبر الميت لم يسلم من تلك البدع، إذ يزينونه بمختلف الأشياء المخالفة لعاداتنا وتقاليد ديننا الحنيف خاصّة. بدع عصرية لا حصر لها فعلا هو ما أصبحت تفعله بعض العائلات، حيث لم يترك فيهم أثر الموت ما كان يجب أن يتركه في قلب المؤمن من خشوع وجزع على الفراق الذي من المفروض أن يتعظ ويتذكر، ويعود إلى طريق الصواب، حيث أنه يتفكر في الموت والحياة وأن مصيره لا محالة مثل مصير ذلك الميت، الذي كان لفترة وجيزة معنا، هو أمر تجاهلته أو تناسته، أو ربما لا يؤثر في بعض العائلات التي أضحت تصنع لموتاها مواكب الغرض الأول منها التباهي، كما لو أننا في عهد الجاهلية الأولى، والتي يقسم فيها الناس إلى نبلاء وأشقياء في الدنيا، ولا يكتفي البعض بأن يقيموا للميت مأدبة فيها بذخ كبير، كأن يضيفوا مأكولات لم تعتد الأسر الجزائرية إقامتها لموتاها، ولم يفعل ذلك لا سلفنا الصالح ولا من أتى من بعده، فأصبحت الجنازة شبيهة بالعرس، ولولا القرآن الذي يتلى لحسب الناس أنهم اجتمعوا لفرح لا لترح، فيحضر العشاء ومختلف أنواع المشروبات والحلويات، خاصّة إذا كان الميت شيخا هرما أو كان مريضا مرضا مزمنا، أما الموكب الذي يحمل الميت فيكون مزينا ومكونا من مختلف السيارات التي تظهر في أبهى حلة، وقد تتعمد أسرة المتوفى أن تكون سيارات من الطراز الرفيع، بل إن بعض الأسر قد تستأجر سيارات فخمة لتشييع موتاها، وهو ما نراه من حين لآخر في شوارعنا، حتى أن الناس يتوقفون لمشاهدة الموكب الغريب الذي يحمل ميتا وتتبعه السيارات الفاخرة والجميلة والتي نُظفت حديثا، حتى أنّ البعض يتفادى أن تكون ضمن الموكب سيارة قديمة، فقد يكون التحضير للجنازة أكبر من التحضير للأعراس، وحتى القبور لم تسلم هي الأخرى من مظاهر الترف والتفاخر، فصارت تصنع كأنها قبب الأولياء، بل وتسخر لها كل المواد الباهظة من الرخام وغيرها، حتى يظهر القبر أعلى من غيره، كما لو أن أسرته تريد أن تورثه ذلك العز والرفاهية التي كان يتمتع بهما في دنياه، حتى أن بعض الأشخاص يوصون أسرهم بأن تكون لهم قبور بذلك الشكل، رغم أن الشرع والدين يقولان عكس ذلك. مظاهر غريبة تلغي عادات التكافل يقول السيد (أحمد حراث) إمام مسجد ابن الخطيب بولاية الشلف عن الظاهرة: (إنها أصبحت فعلا عادة سيئة كالتباهي بالأمور المالية والذهب والضحك وماشابه ذلك من التصرفات التي لا تليق بالجنازة، فهي مظاهر سيئة لا تمت للدين بصلة ولا تتوافق مع عادات وتقاليد المجتمع الجزائري، فالجنازة تتميز بالهيبة والجزع والحزن على فراق الميت وإعطائه حقه في مماته وليس العكس، وأصلا أن الجنازة توصي بالاتعاظ والخشوع، وقراءة القرآن طواعية ليس مقابل مبلغ معين.. وأن الموت حق ويدركه في أي وقت، لذا لابد من السكينة والجزع بمجرد سماعنا خبر موت فلان. وعن ظاهرة تحضير الأكل فهي ليست بدعة كما يقول بعض الناس، بل يجب تقديم الأكل للوافدين للجنازة خصوصا الذين يقطعون مسافات من أجل التحاقهم ببيت الميت قبل دفنه وهي ليست بدعة والله أعلم. وللإشارة في بعض الأماكن يتكفل الجيران بتحضير الأكل والأطباق في حالة حدوث موت، فأهل الميت حلت عليهم مصيبة وحزنهم وحالتهم النفسية لا تسمح لهم بإعداد الأكل للناس الوافدين للجنازة وهذه العادة لازالت قائمة في غرب الجزائر والجنوب.