عادة ما تختار عصابات السطو ضحاياها بعناية فائقة، من محلات وبيوت وأشخاص عزل، وهناك فئة أخرى صارت هدفا لهم، وهي فئة المواطنين القادمين، أو الفارين من ولايات أخرى، والذين يكونون لقمة سائغة وسط الخوف والدهشة· تحقيق وتصوير: مصطفى مهدي يتربص بعض اللصوص بالمسافرين الذين يأتون إلى العاصمة للمرة الأولى، عادة ما تكون الظروف السيئة التي دفعت بهم إلى القدوم، وهو الأمر الذي يستغلّه البعض فيختلقون سيناريوهات لسرقتهم، ولو كلفهم ذلك التمثيل أياما وأسابيع، مايهمهم أولا وأخيرا أن يستولوا عليهم وعلى القليل الذي يملكونه، ولعلّ الفتيات هنّ أكثر عرضة لتلك العصابات، ربما لأن الإطاحة بهنّ تكون سهلة، وربما لأن فتاة تسافر لوحدها دون أن يرافقها أحد من عائلتها، ودون أن تجد شخصا ما في انتظارها، فتاة هذا هو حالها لابدّ أن تكون فارة من بيتها، ولابد لهذا أن تكون قد حملت معها أموالاً أو أشياء ثمينة تساعدها في رحلتها، بل وحتى جسدها يمكن أن يكون مطمعا لهؤلاء الأشخاص الذين امتهنوا مصّ الدماء· كانت بداية تحقيقنا من محطة القطارات، كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء، وكان القطار يمر فيضع مسافرين، بعضهم تائه، ما إن يقف على الرصيف حتى يبقى ينظر إلى ما حوله، ربما إلى حياته الجديدة، إلى جوّ لم يألفه إلى صدر لايدري ماذا يحمل له، لكن الأكيد أنّه يكون في تلك اللحظات تحت أنظار بعض العصابات، الذين يبقون يتربصون من خارج المحطة، في الشارع الرئيسي، حيث يرون تقريبا كل المسافرين، ويدققون في كل التفاصيل، وما يهمهم أكثر شيء هو ذلك المسافر الذي أتى وحيدا وبقي وحيدا، وتاه وسط الارتباك والمجهول، أمّا نحن فرحنا ننتظر تصرفا مشبوها يبدر من بعض المواطنين الذين كان بعضهم جالسا وآخرون واقفون ينظرون إلى المحطة، وماهي إلا لحظات حتى رأينا أشخاصا ثلاثة يتجهون إلى فتاة تحمل حقيبة صغيرة، وتضع فوق رأسها فولارا يشبه الحجاب، تمشي وتلتفت يمنة ويسرة كما لو أنها قدمت إلى كوكب آخر غير الذي ألفته ولا تعرف عنه شيئا· أحد هؤلاء الشبان الثلاثة يتقدم نحو الفتاة ويتحدث إليها، لم نستطع أن نعرف ماكان يقولانه، لكنها من بعيد بدت مترددة وحائرة، تقدم رجلا وتؤخر أخرى، لكن الشاب لم يكن يهددها، بل ربما كان يعدها بالمأوى أو ربما العمل، فلم تجد إلا أن تتبعه ففعلت، أمّا صديقاه فكانا ينتظران خلفه، وما إن تحرك معها، حتى تبعاهما، فذهبا مباشرة إلى شارع الحرية، حيث يوجد فندق دخلت الفتاة وانتظرها الشاب خارجاً، أمّا صديقاه فكانا قد سبقاه، ثم خرجت وذهبا إلى شارع حسين طياح، ثم عبان رمضان، وكان هو يدخل إلى الفندق وهي تنتظره، لكن يبدو أنّ خطتهما لم تنجح ويبدو أنّ الشاب تضايق لوجود كثير من المواطنين وكذلك بعض الشرطة، ويبدو أن ذلك جعله يتجرأ ويطلب منها طلبا لم توافق عليه، فأصرّ عليها، ولكنها انتهت بأن صرخت في وجهه واتجهت مباشرة إلى أوّل فندق مرت به· وإن كان خطة هذه العصابة فشلت هذه المرّة، فإنها كثيرا ما تنجح في الإطاحة بمواطنين ومواطنات، ولعلّ الأمر الذي جعلنا ننتقل إلى تلك المحطة هو ما وقع لسلمى، وهي فتاة في العشرين، فرّت من بيتها بعد أن أخطأت خطأ لا يغتفر، فحملت حقائبها وغادرت، ثم حطت في العاصمة، وأوّل ما صادفت شابان، قالت لنا عنهما إنهما يرتديان ملابس فاخرة، بديا لها أنهما رجلا أعمال، حيث أنهما سألاها عن مكان في العاصمة، ربما ليختبراها، فأجابت أنها لا تعرف المكان، وأنها المرّة الأولى التي تأتي فعرضا عليها المساعدة، وأبديا استعدادهما لأن يوّفرا لها مكانا محترما تنام فيه، ورغم أنها شكت في الأمر في البداية، إلاّ أنها قررت أن تتبعهما فإذا بدر منهما مايريب انسحبت، ولكنهما في الطريق سرقا منها حقيبتها وفرا، فصرخت، ولكنها لم تجد أحدا يقف بجانبها، أو أنّ الأحداث كانت أسرع منها، حيث توقفت سيارة ركب فيها الاثنان وغادرا بأقصى سرعة، وتركاها ضائعة وحيدة لا تدري ما تفعل·