يعود تاريخه للقرن 16 حي الدويرات العتيق بالبليدة ذاكرة مهدد بالزوال يعتبر حي (الدويرات) العتيق بولاية البليدة الذي يعود تاريخه لبدايات التواجد العثماني بالجزائر في القرن ال16 من أبرز المعالم التراثية ل(مدينة الورود) إلا أنه لا يزال في انتظار الحماية القانونية التي ستجعله في منأى عن الضياع والاندثار. ق. م الزائر لهذا الحي العثماني الذي يسميه البليديون (حي أولاد السلطان) وأحيانا (قصبة البليدة) يتعجب للإهمال الكبير الذي مس شكله الخارجي وأزقته ومبانيه القديمة التي ما زالت تنتظر الحماية حتى تحفظها من الاندثار وتعيد إليها رونقها الذي يحمل بين جنباته جزءا كبيرا من ذاكرة البليدة. لها نفس الرونق الجمالي لقصبة العاصمة وتقدم (الدويرات) نفسها كأبرز سمات الموروث الثقافي ل(عاصمة المتيجة) حيث تعرف خصوصا بعمرانها الذي يذكر الزائرين بقصبة الجزائر العاصمة وإن كانت تتميز عنها بأسطحها القرميدية وبأبواب بيوتها الضيقة والمقوسة وكذا بفناءاتها المعروفة محليا ب(وسط الدار) والتي تزينها عادة (فوارات) أو (نافورات ماء) وأشجار (القارص) وكذا أزهار الياسمين ولعل من خصوصيات هذه الفناءات أيضا تنمقها بمختلف النباتات على غرار (الدالية) والورود وأصص النباتات التزيينية كالحبق والقرنفل بالإضافة لنبتة الفيجلة التي تبعد العين الحسود في اعتقاد ساكنة المكان. و(الدويرات) هي بمثابة تجمعات سكانية ذات هندسة داخلية (مورسكية) في العموم ومبنية في أغلبها ب(الطابية) أو التراب وما يميز غرفها أنها مستطيلة الشكل وطولها يفوق عادة الستة أمتار في حين أن عرضها لا يتجاوز الثلاثة كما أنها تسمى غالبا وفقا لاتجاهاتها الجغرافية فهناك (الشرقية) و(الغربية) وهناك أيضا (القبلية) (باتجاه الجنوب) والبحرية (باتجاه الشمال). مسقط رأس العديد من عظماء الجزائر ويعرف أيضا هذا الحي بنضال أبنائه حيث قدم العديد من الشهداء إبان الثورة التحريرية كما اجتمعت بعدد من بيوته بعض الشخصيات التاريخية على غرار العربي التبسي والشيخ العقبي يضيف السيد أوراغي الذي يتأسف من جهة أخرى ل(ضآلة) الدراسات التاريخية حوله وحول البليدة ككل وخصوصا إبان الفترة العثمانية. كما يشتهر أيضا بالعديد من وجوهه الثقافية على غرار المطربين سلوى ورابح درياسة والمسرحيين محمد توري وكلثوم والممثلة فريدة صابونجي ولعل من أهم معالم الدويرات أيضا قصر الملك بيهنزن كوندو وهو الملك الحادي عشر لداهومي (البنين حاليا) والذي تواجد بالمكان من 1894 وإلى غاية وفاته في 1906 بعد أن نفته الإدارة الاستعمارية الفرنسية إلى الجزائر غير أن المكان مهجور حاليا.
سكنات فوضوية وارتجال في الترميم
تتعرض الدويرات في السنوات الأخيرة للتدهور كبير بسبب عوامل الطبيعة وإهمال الإنسان حيث أن العديد منها اندثر وبعضها الآخر تآكلت أسسها وجدرانها وأسقفها في حين غزا العمران الجديد الفوضوي الكثير من أزقتها العتيقة ما جعل الانسجام العام للحي في تقهقر متواصل. وكان للعوامل الطبيعية تأثيرها الأكبر في تصدع بناياتها ما جعل السكان يرتجلون في ترميمها دون أدنى مراعاة لهندستها الأصلية ولا لمواد البناء المستخدمة ولعل أهم ما يمكن أن يلاحظه زوار الحي أن العديد من سكانه قد قاموا بتشييد منازل فوضوية من الإسمنت والآجر في تشويه صارخ للمكان. وما يمكن أن يشد الزائر أيضا وهو يتجول بين أزقة هذا الحي التي لا يزيد عرضها عن المتر أن بعض السكان قد عمدوا أيضا إلى تغيير جماليات مداخل بناياتهم مستغنين عما كان يميزها من أقواس وزخارف وأبواب خشبية في حين قام آخرون بهجرها كلية إلى مساكن عصرية خارج الحي ونتيجة أيضا لقلة الاهتمام فقد اندثرت تقريبا العديد من الحرف التقليدية كصناعة الفخار والصابون والنحاس وإن مازالت من جهة أخرى الكثير من العادات والتقاليد متبعة على غرار أسلوب الحديث والطبخ والموسيقى. ورغم كل الثراء الثقافي ل(الدويرات) -التي تضم اليوم أكثر من 30 ألف نسمة وفقا لبعض ساكنتها- إلا أنها تخلو من أي مركز ثقافي أو جمعية للتراث تعنى بحفظ ونقل ذاكرة المكان بل وتغيب حتى اللافتات التي تعرف بالمكان ومعالمه للزائرين ويقول كثير من ساكنة الحي أن (أغلب البيوت العتيقة تشكل خطرا كبيرا على السكان وأن السلطات المحلية لم تساعدهم في ترميمها) مشيرين في هذا الصدد إلى أن الترميم عملية صعبة جدا وتحتاج لمختصين خصوصا وأن مواد البناء تتمثل أساسا في التراب. ويلفت رئيس مصلحة التراث الثقافي بمديرية الثقافة لولاية البليدة مسيكة مراد بأن هناك حاليا دراسة تدقيقية للمدينة القديمة حتى يصنف وسطها كقطاع محفوظ وتدخل فيه الدويرات كمعلم ثانوي على حد قوله. ويؤكد من جهته مدير حفظ التراث والترميم بوزارة الثقافة مراد بوتفليقة بأنه يجب خلق القطاع المحفوظ للمدينة القديمة للبليدة الذي هو الآن في طورالإنجاز مضيفا أنه بعد وجوده قانونا سننطلق في إعداد المخطط الدائم لحفظ واستصلاح هذا القطاع المحفوظ كما قال. وتحصي الجزائر اليوم ثلاث قطاعات محفوظة هي قصبة العاصمة (2012) المدينة القديمة لقسنطينة (2014) والحي العتيق لسيدي الهواري بوهران (2015). وتم اعتماد مخططي حفظ للعاصمة وقسنطينة.