مبادرات إصلاح المنظومة التربوية تتوالى ** يواصل شرفاء وأحرار وغيورون على المنظومة التربوية إطلاق مبادرات هادفة إلى إنقاذ المدرسة الجزائرية مقدمين بذلك بدائل حقيقة وعملية لعملية العبث الجارية باسم إصلاحات وإسلاخات يُخشى أن تقود أجيالا من تلاميذ الجزائر إلى المجهول.. وبعد أيام من مبادرة أطلقتها جمعية العلماء المسلمين التي قدمت وصفة شاملة لعلاج المنظومة التروية تعيد أخبار اليوم نشر مضمونها في الصفحة 10 جاء الدور على شخصيات من مختلف فعاليات المجتمع المدني بينهم أئمة ثم جاء الدور على أكاديميين وباحثين وجهوا نداء إلى الشعب الجزائري أجمعوا فيه على أن (وقف إصلاحات بن غبريط الارتجالية أصبح واجبا وطنيا) حسب ما أوردته صحيفة الشروق اليومي أمس الثلاثاء. وحسب المصدر نفسه فقد وجّه مجموعة من الدكاترة والأساتذة وباحثون جامعيون جزائريون نداء إلى السلطة والشعب يُنبّهون فيه ممّا يحاك ضد الهوية الوطنية من أخطار ويحذرون من إصلاحات تربوية اعتبروها (مشبوهة) ستضع أصالة المدرسة الجزائرية وهويتها الوطنية والمواد المكونة لهذه الهوية الوطنية على المحك. وفضّل الأساتذة والباحثون أن تحمل مبادرتهم الطابع الأكاديمي وذلك لمواجهة وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط التي تتهرب دوما من منتقدي إصلاحاتها بالقول: أنهم غير مؤهلين وليسوا بمختصين. وأكد المبادرون في رسالتهم أنهم ليسوا بمُتحزبين أو مستغلي فرص وإنما هم إطارات وخريجو المدرسة الجزائرية الأصيلة أحزنهم ما آل إليه وضع قطاع التربية مؤخرا نتيجة تصرفات بعض مسؤولي القطاع فقرروا التنبيه لخطورة الوضع. وفي هذا الصّدد أكد الأستاذ المفكر محمد الهادي حسني باعتباره من أصحاب المبادرة أن مضمون رسالتهم هو التنبيه ممّا يتهدد السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية من مخاطر في حال لم يتم تدارك الأمر على مستوى كبار المسؤولين. داعيا السلطات في اتصال مع (الشروق) إلى التحرك لوقف هذه التصرفات غير المُقدّرة لمخاطر الإصلاحات التي وصفها ب (المشبوهة) والتي يُطبقها المتستّرون وراء (البيداغوجية). واعتبر الأستاذ الهادي الحسني أن البيداغوجية التي يتشدّق بها بعض مسؤولي التربية يعتبرها أصحاب المبادرة (ديماغوجية) ومؤكدا أن مبادرتهم مستلهمة من روح الفكر الباديسي الوسطي الجزائري. النص الكامل للنداء: من أجل مدرسة جزائرية باديسية معاصرة إن الوضع الكارثي الذي وصل إليه التعليم في الجزائر منذ عقدين تقريبا لم يعد يخفى على أحد بل يكاد يُجمع العقلاء من المتخصصين وعامّة المواطنين على أن المدرسة لم تعد تؤدي الدور المنوط بها وأصبحت الشهادات الجامعية مجرد وثائق لا تعبر عن درجات معرفية حقيقية قادرة على تحقيق الإقلاع التنموي والاستجابة لحاجيات سوق العمل الحقيقية إلا في مستويات دنيا. وما نلحظه اليوم من ضبابية في الرؤية والتسيير وما نستشفه من توجهات مبهمة في الاستشراف والتخطيط يكشف لنا عن حالة من الاستمرارية للسياسات الفاشلة التي أنتجت هذا الوضع البائس وخرّجت خلال القرن الحادي والعشرين جيلا مشوّها من التلاميذ والأساتذة وتسببت في نكبات مختلفة للمدرسة الجزائرية كالعنف المدرسي وانعدام الضمير المهني وانتشار الدروس الخصوصية بطريقة غير علمية ولا أخلاقية. فضلا عن الانطلاق من مناهج مشوهة ومتناقضة وغير قادرة على صناعة العقل المبدع واستخدام أساليب تكوينية أفقدت الأستاذ دوره في بناء الشخصية المعرفية للتلميذ. وأبرز صور الضبابية التي تحيط بمستقبل المدرسة هي انعدام الشفافية في تسيير ملف الإصلاحات وترك الأمر للتسريبات والتكهنات. ثم إن هناك إصرارا على معالجة الملف من خلال الخبراء الأجانب (الفرنسيين) الذين لا ينتسبون لنفس المنظومة المعرفية للجزائريين وتهميش الخبرات الجزائرية وهو ما يعبر عن إرادة مبيّتة للفصل بين المرجعية الثقافية الجزائرية والمناهج والمضامين المعرفية المراد فرضها. وقد كان ينبغي لإخفاقات لجنة بن زاغو أن تساهم في إعادة النظر في الطرائق المستخدمة لكنها لا تزال تُقدم باعتبارها قاعدة عمل رغم أنها هي التي أوصلت المدرسة إلى حافة الإفلاس التام. ولهذا وإيمانا منا بمسؤوليتنا أمام الله ووفاءً بمسؤولياتنا أمام الوطن والتاريخ والأجيال القادمة فإن الموقّعين على هذه العريضة يتوجهون بهذا النداء إلى كل الشرفاء والمخلصين من الشعب الجزائري 1 - المناهج والبرامج: إن ما عاشته الجزائر من انفراد فئة ذات خلفيّة إيديولوجية غريبة عن الخلفية الحضارية للشعب الجزائري وارتجالها في إعداد برامج ومناهج أوصلت التعليم إلى وضعه المأساوي أمر يتعيّن وطنيا وحضاريا العمل على منع استمراره. فأزمة التعليم في الجزائر استحكمت وحالة التعفن والرداءة التي وصل إليها التعليم تجعل من عملية إصلاحه مسألة بالغة التعقيد لخطورة مخرجاته على البلاد والعباد. لهذا فهو بحاجة إلى تكاتف جهود المخلصين من المختصين لوضع مشروع جامع تتبناه الدولة ويشرف على إنجازه ومتابعة تنفيذه مجلس أعلى للتربية والتعليم مستقل عن وصاية الوزارة وتابع للرئاسة يشارك فيه المتخصّصون والخبراء والعلماء والمفكّرون الجزائريون من داخل الجزائر ومن خارجها لتجاوز حالة الرداءة وانهيار المستوى. وهذا المشروع لا يناقش مسألة المنظومة من جانبها التربوي فحسب بل يتناول أيضا التعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني. فالأزمة مترابطة ولا يمكن معالجة حلقاتها بمعزل عن بعضها البعض. 2- سياسة التكوين وإعداد الأطر: إن النهوض بواقع المنظومة التربوية وترقية مستوى الأداء المدرسي يتوقف على اتباع سياسة مدروسة في مجال اختيار العناصر التي يُسند إليها التعليم والإشراف عليه وإعدادها إعدادا شاملا علميا وتربويا وأخلاقيا لممارسة رسالة التعليم وتجنّب أسلوب التوظيف المباشر الذي يتم بدون تكوين. 3- اللغة العربية: إن اللّغة العربية لغة رسمية للبلاد بنص الدستور وعليه يجب أن يُحترم وضعها الدستوري في مجالات التطبيق وفقا لقانون تعميم استعمال اللغة العربية الصادر عام 1991. وإن التاريخ الحديث والقديم لم يشهد نهضة لأمة أو شعب بغير لغته ومن حاول ذلك من خلال لغة دخيلة فإنه يظل يئن تحت وطأة التخلف ويعاني تبعاته. وإن التقدم العلمي الشامل يقتضي في مجتمعنا وجوب العمل على تعميم استعمال اللغة العربية في جميع مراحل التعليم وبجميع أنواعه وفي البحث العلمي في كل مجالاته باعتبار أن اللغة العربية يجب أن تظل لغة العلم والتكنولوجيا والتواصل والإبداع للخروج من التخلف وهذا يقتضي تعريب المواد العلمية والتقنية في مستوى ما بعد البكالوريا وجميع المستويات. 4- اللغات الأجنبية: إن مسألة التفتح على اللغات الأجنبية أمر ضروري لا غنى عنه. لكن اعتبار اللغة الفرنسية لغة التفتح على العالم والعلوم والتكنولوجيا هو الانغلاق بعينه. ولهذا فإنه لا يحق للقائمين على شأن التربية والتعليم ومن يقف خلفهم ويدعمهم أن يحكموا على أبنائنا بالعزلة العلمية والفكرية ويجعلوهم مجرد مجترّين لما تتفضل به علينا المؤسسات والدوائر الفرنسية من ترجمات لم يعد من الممكن اليوم أن تواكب سرعة التطور العلمي والتكنولوجي وتداول المعلومة. إن اللغات الأجنبية وسائل اتصال والإنجليزية اليوم هي لغة التواصل والنشر العلميين لهذا فتعلمها فرض وشرط ضروري للالتحاق بركب العلم والحضارة. ولهذا فإننا نطالب بأن تتحوّل المنظومة التربوية والتعليمية في الجزائر نحو اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة ثانية بشكل متدرج وبخطوات مدروسة توفّر لها كافة شروط النجاح لكي لا تقع القطيعة بين الجزائريين ومصادر العلم والتكنولوجيا العالمية. 5- التاريخ والتربية الإسلامية: إنّ تاريخ الجزائر ليس فقط تاريخ المساحة التي نعرفها اليوم بل هو تاريخ متشعّب مترابط الحلقات مع شعوب الأمّة ومكوناتها وهو تاريخ مشرق حافل بالإنجازات الحضارية ولابد من اعتماده كمكوّن لهوية الأمة وضابط لانتمائها وليس كأخبار وشذرات عاجزة عن النفاذ إلى وعي التلميذ والطالب وهو ما يحتم تحويله إلى أحد المرتكزات العملية التعليمية في صورته الشمولية وليس المعاصرة فقط من أجل ربط حلقات الماضي بالحاضر. إن التربيّة الإسلاميّة التي تعزّز الاستقامة الأخلاقيّة وتمتّن تماسك البناء الأسري والاجتماعيّ وتحصّنهما من كلّ إشكال الانحراف والسقوط والاختراق وترتقي بسلوك الفرد والمجتمع وتقدّم قدوات فذّة من تاريخنا القريب والبعيد وتستمدّ من رصيد الفطرة وتجربة الأمّة المسلمة التي نحن جزء منها وتفجّر طاقات العقل وتحرّر أشواق الرّوح لَهِي حصن يجب أن يُحمى ويُدافَع عنه. فإنه إذا سقط هذا الحصن سقطت بقية القلاع واحدة تلو الأخرى. إن تدريس هاتين المادّتين وفق رؤية واضحة وخطةِ نهضة إستراتيجية واستعادة منزلتهما الحقة - حجما ساعيّا ومحتوًى ومنهجا ومدرّسين - في بناء الذات وتحصين المجتمع وتمتين هويّته وتعزيز انتمائه الحضاريّ هو ما يعطي لمصطلح (التربية) معناه ومضمونه الحقيقي حتى لا يصبح مجرّد شعار للمزايدة أو التخدير. 6- الهياكل والإمكانيات المادية: إذا كان إصلاح التربية والتعليم اليوم صعبا ومكلفا جدا فإنه قد يصبح غدا مستحيلا. والبديل لنضوب مخزون آبار النفط وانهيار إيراداته الماليّة ليس الاستثمار الصناعيّ أو الزراعيّ فقط كما يُصوِره البعض بل إن البديل الحقيقي والدائم هو الاستثمار في الإنسان عبر بناء مؤسسات تربوية توفر لأبناء الشعب تعليما وتربية راقيين بوسائل تستجيب لمتطلبات العصر وفرصا متساوية لجميع فئات الشعب مع توفير المخابر والتجارب العلمية ومخابر تعليم اللغات الأجنبية. إننا ندعو كافة قوى الشعب الحية وأصحاب الضمائر في سلك التربية والتعليم وأولياء التلاميذ والنقابات والإعلاميين وفي كلّ مفاصل الدولة إلى التحرك واتخاذ الموقف المناسب لضمان مستقبل أبنائنا... وندعوهم إلى الوقوف جميعا وقفة واحدة في وجه هذه الرّدة وهذا التجهيل المتواصل لأبنائنا وفصلهم عن لغة دينهم وعن لغة العلم والتكنولوجيا والإصرار على فرنستهم.. وقفة من أجل الوطن والأجيال القادمة إلى أن يتم التراجع عن كل هذه القرارات وفتح نقاش مجتمعي معمّق حول الوضع المأساوي الذي وصل إليه التعليم بكل مستوياته. وأملنا من توجيه هذا النداء أن ينتبه المسؤولون إلى ما يؤدي إليه هذا الوضع التربوي المتدهور الذي يزداد خطورة ونتمنى أن يتدارك أولو الأمر هذا الوضع باتخاذ الإجراءات الفعلية المطلوبة لتصحيح المسار ومنع القرارات الخاطئة المتسرعة تجنبا لما قد ينتج من عواقب ضارة لا تخدم مجتمعنا لا في حاضره ولا مستقبله. اللّهم قد بلغنا..اللّهم فاشهد...