** أنا أمٌّ لديَّ ابن عمره عامان، وبيتي متواضع صغير، وبيتنا عند أهلي كبير، وعندما أذهب لأهلي يصبح ابني كثير الحركة، خاصة عندما يرى الأطفال؛ لأنه وحيد في البيت، وأبي ينزعج منه، وأصبح أبي يكرهني ويكرهه، مؤخرًا قال لي كلامًا جارحًا، قال لي: أنت لم تربي ابنك جيدا، لو كنت تضربينه لما صار هكذا. أبي كان يستعمل الضرب في العقاب منذ أن كنا صغارًا لكن ابني مازال صغيرًا، وهو لا يتكلم ولديه بعض التأخر في نمو العقل، لكن أنا لا أريد أن أضربه؛ لأنه سوف يبكي، وهو أيضا لا يحب الضجيج فما الحل هل أقاطع أهلي، علمًا أن أبي يريد ذلك، فلا يريد أن يراني، لكن أمي هي التي تبحث عني، وهي حنونة مع ابني فما الحل؟ أرجوكم أفيدوني فأنا أتمزق من الداخل؛ فهذا أبي وهذا ابني.. كيف أتصرف، أبي لا يريد أن يتفهم، حتى لو تكلمت معه سوف يغضب ويصرخ في وجهي، وربما يسمعني كلامًا قاسيا، وأنا حساسة، ولم أرزق بابني إلا بعد عام ونصف من الزواج، وهو كل حياتي.. أرشدوني ماذا أفعل؟ * يجيب د. ماجد رمضان رجب بالقول: في البداية لابد أن ندرك أن هناك عدة نقاط يجب أن نتوقف عندها: أولا: أن طرائق التربية كثيرة منها القديمة ومنها الحديثة ومنها العصرية، وأن هناك فرقا بين أساليب التربية التي تربينا عليها، وبين الأساليب التي نريد أن نمارسها نحن الآن مع أبنائنا مع اتساع معارفنا ومستوى تعليمنا وحالة التطور في العلوم التربوية والسلوكية، وأن أساليب العقاب التي كانت سائدة آنذاك والكثير من الآباء مارسوا التربية بالعقاب والضرب. ثانيا: الضرب ليس أساس التربية، ولكنه إحدى وسائلها بضوابطه وقيوده إذا استُخْدِم في نطاقه وحدوده، وهو في نفس الوقت وسيلة لها سلبيات خطيرة إذا أُفرط في استخدامها، أو استُعْمِلت بطريقة غير صحيحة. ونظرا لأهمية هذا الأمر في الإسلام فإنه قد اعتنى به، وجعل له ضوابط وقيودا حتى لا يتحول الأمر من الاستفادة منه إلى سلبيات وتبعات ضارة على الفرد والأسرة. والمتتبع للشريعة الإسلامية يجد أنها اتخذت موقفا وسطا تجاه هذه الوسيلة في التربية، فهي بشموليتها راعت الإيجابيات التي يمكن أن تجنى من خلاله، وفي نفس الوقت تلافت السلبيات التي قد تحدث نتيجة التعسف أحيانا في استخدام مثل هذه الوسيلة، و قد سمعنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر". فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بضرب الولد الذي يأبى الصلاة إلا في سن العاشرة، مع أنه قبل ذلك أمره بتوجيه أولاده للصلاة وهم في سن السابعة، ومعنى ذلك أن الفارق بين التوجيه بالكلمة والتوجيه بالضرب ثلاث سنوات، فانظري كيف أخّر النبي صلى الله عليه وسلم التأديب بالضرب طيلة ثلاث سنوات، ولم يشرع للوالد إلا التأديب والتوجيه بالكلمة. وبالتالي يمكن لنا أن نضع بعض القواعد في استخدام الشدة مع الأطفال كالتالي: القاعدة الأولى: أن يكون الضرب بعد استخدام الأساليب التربوية الأخرى كالتوجيه والكلمة الحسنة والنصح. القاعدة الثانية: أن يكون ابتداء الضرب من سن العاشرة. القاعدة الثالثة: أن تكون عقوبة الضرب موافقة للجرم، فلا يزاد عليها، وعموما ينبغي ألا يزيد الضرب على عشر كما حدد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. القاعدة الرابعة: ألا يكون الضرب مؤذيا للطفل نفسيا وجسديا. القاعدة الخامسة: اختيار مكان العقوبة المناسب، فلا يكون أمام الناس، أو أحد من أقربائه ونحو ذلك. القاعدة السادسة: ألا يَضْرِبَ وهو في حالة الغضب حتى يدرك ما يفعل، هذا وينبغي أن يعلم أن الضرب عند الحاجة إليها إنما هو ضرب تهذيب وتأديب، وليس ضرب انتقام وتعذيب. ثالثا: ننصح بعرض طفلك على طبيب متخصص -لأنه ربما يحتاج إلى علاج نفسي وسلوكي- يفهم مشكلات هذا الطفل وصعوباته، ويساعده على التكيف الصحي مع البيئة المحيطة، فهذا الطفل يعيش أزمة حقيقية، فقد وجد نفسه مدفوعا بطاقة زائدة لا يعرف سببها، وهذه الطاقة تجعله يتورط في أفعال يغضب منها الكبار ويعاقبونه عليها، وهو في نفس الوقت لا يستطيع التحكم فيها، وبسبب ذلك يجد نفسه في صراع وفي علاقة مضطربة مع من حوله. وقد يكون من أسباب حركته الزائدة أن بيتك الذي تسكنين فيه صغير المساحة (وسعه الله عليك) وابنك لا يجد مساحة للجري واللعب واستخراج الطاقة الزائدة عنده، وعند ذهابه إلى بيت جده يجد الفضاء الواسع فيلعب ويُحْدِث ضجيجا وسلوكا مزعجا، فلا يحتمله والدك ربما لكبر سنه وحاجته إلى الهدوء والراحة (وهذا أمر مقبول في هذه السن الذي يحب الراحة والهدوء) فحاولي إخراج ابنك في نزهات إلى الحدائق المفتوحة والأماكن العامة؛ حيث الفضاء الواسع وأماكن اللعب التي تجعله يستنفذ نشاطه وطاقته المحبوسة بداخله. ثالثا: تيقني أن والدك يحب ابنك ولا يكرهه، فكما يقول المثل (أعز الولد ابن الولد) ولكنها السن وبعض العصبية والتوتر، وهي بعض سمات شخصية والدك كما تظهر من رسالتك، وعليك بتكرار الزيارة له وبره مع تقليل زمن الزيارة في حال اصطحاب ابنك أو إن أمكن عدم اصطحابه كل مرة تزورين فيها والدك، وسترين أنه بدأ يسأل عنه ويطالبك باصطحابه معك في المرة القادمة. أعانك الله على تربية ابنك ووفقك الله إلى بر والديك ووسع عليك.. وجزاك الله خيرًا..