عادة ما يحاول التاجر قدر الإمكان ربح الزبائن والتودد إليهم حتى يكسبهم، ويصبحون بالتالي من الزبائن الدائمين له، أو على الأقل يكون قد أدى عمله على أكمل وجه، وأعطى مهنته حقها، وأرضى ضميره. لكن هذه القاعدة لا يتبعها كل التجار، بل البعض لا يكتفون بخرقها فحسب، بل إنك تحسب أنهم بتجاهلهم ولامبالاتهم للزبون واحتقاره والإساءة إليه لا يهمهم إن اكتسبوا زبونا أم لا، كأنهم ربحوا من الأموال ما يجعلهم يترفعون عن النقود التي يمنحها لهم الزبائن وهو للأسف ما يفعله بعض سائقي الأجرة، أشخاص غير مسؤولين يقومون بتصرفات لا تسيء إلى زبائنهم فحسب بل تنقص من قدرهم كذلك، فتخيلوا أن يعمل سائق أجرة مخمورا، وأكثر من ذلك قد يستعمل زبائنه للتمويه، فيقل النساء والمسنات حتى لا يشعر أحد وخاصة الشرطة بأنه سكران. هذا ما حدث لنا، حيث ركبنا سيارة أجرة من البريد المركزي إلى ساحة أول ماي، وكان السائق شيخا طاعنا في السن، تحترمه ما إن ترى هيئته وشعره الأبيض الذي زاده وقاراً، أو كان سيزيده وقارا لو لم يتبع شهواته، ولو بقيت بنفسه قطرة حياء أو حشمة، ورغم أننا لاحظنا أنه لم يكن في حالة طبيعية ما إن ركبنا، إلاّ أننا لم نكن نعتقد أنه حقير إلى درجة أن يشرب المسكرات أمامنا، وهو ما كان يفعله، حيث أنه أخرج من علبة السيارة قارورة خمر وتناول منها قليلا قبل أن يعيدها إلى مكانها، وكانت القارورة مغلفة بكيس أسود، لكننا أدركنا أنّ ما كان يشربه لم يكن ماءً ولا عصيرا بل خمراً، وهو ما بدا من تصرفاته الغريبة التي كان يقوم بها وحتى حديثه لم يكن عاديا، فقررنا أن نطلب منه التوقف، وأن نستقل سيارة أجرة أخرى. وعندما فعلنا لم يسمعنا فقد كان في عالم خاص به، حتى أنه، ومن فرط الشرب، صار غير قادر على التحكم في السيارة، فكان السائقون الآخرون يقدمون له الملاحظات، فقد كان يميل يمينا وشمالا، فرفعنا صوتنا حتى يسمعنا، لكنه هذه المرّة رفض التوقف، وقال إنه لا يستطيع أن يفعل، فأدركنا أن حالته خطيرة، وأنه لا بد من إيجاد وسيلة للخروج من السيارة، بل للهروب، لكن جاء الحل سريعا، حيث توقفت حركة السير قليلا فانتهزنا الفرصة ونزلنا من عنده، وتركناه يذهب لشأنه، وانتظرنا أن يتوقف لكي يطالب بأجرته، لكنه لم يفعل وذهب لشأنه. ونفس الحادثة تقريبا وقعت لسعاد التي ركبت يوما مع سائق سيارة أجرة من القبة إلى براقي، وكان السائق مخمورا، حيث اشتمت رائحة الخمر ما إن صعدت معه، لكنها ظنت أنّ الراكب بجانب السائق هو من كانت تنبعث منه تلك الرائحة، وعندما نزل الراكب في حي »لابروفال«، واصلت هي طريقها مع السائق، حيث دخل بها إلى الطريق السريع، وهناك - تحكي لنا سعاد- عاشت لحظات رعب لم تعشها في حياتها من قبل، حيث أنّ السائق كاد يصطدم بالسيارات الأخرى في أكثر من مرة، وكان ينجو بأعجوبة في كل مرة.