أن يرتكب الشخص مخالفة ثم يأتي بالأعذار والدوافع التي جعلته يقترفها، صحيحة كانت أم باطلة، أمر معقول ومنطقي، لكن أن يقدم الجانح على جنحته ثم يأتي الشرطي أو القاضي ويقول إنه وببساطة لم يكن يعرف أنها جنحة، فهذا ما لا يمكن تصديقه أو ما يجعلنا نحتار له. هو الأمر الذي نلاحظه من خلال الأعذار التي عادة ما تكرر في مراكز الشرطة والمحاكم ما »كنتش علابالي«، أي أن الشخص يرتكب مخالفة أو حتى جنحة، ثم يقول إنه لم يكن يعرف أنها انتهاك للقانون، ورغم أن البعض يختلق تلك الأعذار متعمدا حتى يتملص من العقاب، أو لأنه ببساطة لا يجد عذرًا منطقيا ومقبولا لتصرفه، فيدعي الجهل، أما آخرون فهم فعلا لا يعرفون القانون، وفعلا كانوا يجهلون أن التصرفات التي قاموا بها مخالفة له، ولذلك ترى الحماقة ممزوجة بعلامات الاستغراب تبدو على وجوههم ما إن يقال لهم إن ما فعلوه مخالف للقانون. هناك مواطنون لا يعلمون أن حرق النقود مخالفا للقانون، وأنه يعاقب عليه، لأنه فعل يمسّ بميزانية الدولة، وهو ما يفعله بعض الذين ربما فاقت النقود التي يمتلكونها حاجتهم منها، فراحوا يتلفونها ويحرقونها، هذا بداعي الغضب، وآخر للتباهي، نعم هناك من يتباهى بحرق النقود، لأنها، في نظره، من علامات الترف، يفعلون ذلك كله وإذا ما قبض عليهم أو قيل لهم إن القانون الإلهي والوضعي يحرمان ذلك، أجابوا بأنّ الأموال أموالهم، وبإمكانهم أن يفعلوا بها ما يشاءون، ومن الناس كذلك من لا يعلم أن حمل الأسلحة البيضاء من خناجر وسكاكين وقارورات غاز حتى تلك الصغيرة، لا يعرف أن ذلك ممنوع، ومخالف للقانون، وأنّه قد يؤدي بصاحبه إلى دخول السجن، وفي المحاكم يتعذر الكثيرون بأنهم لم يكونوا يعلمون ذلك، وأنهم وبطبيعة الحال، لو علموا لما أقدموا عليه، لكن القانون لا يحمي المغفلين، ورغم أن القاضي لابدّ أن ينظر إلى الظروف التي دفعت الجانح إلى ارتكاب جنحته، لكن الجنحة في الأخير لا تسقط.. آخرون وخاصة المراهقون يصاحبون الفتيات القاصرات، ويرافقونهن إلى الغابات والأحراش ثم يدعون أنهم لم يفعلوا شيئا، أو أن فعلتهم لا تستحق العقاب، والسجن، ولا يعلمون أن الفتاة القاصر غير الفتاة الراشدة، وأن مصاحبتها ونقلها إلى أماكن مشبوهة هو جنحة يعاقب عليها القانون، وقد تجد الكثير من الشباب وقبل نقلهم إلى مراكز الشرطة والتحقيق معهم، وقبل وصولهم إلى المحاكم، قبل ذلك كله تجدهم يتشاجرون مع قوات الأمن، بحجة أنه ليس من حقهم التدخل في شؤونهم ما دامت الفتاة التي يرافقونها لم تكن مكرهة وبأنها موافقة على مصاحبتهم، وهذا قبل أن يجدوا أنفسهم في متاهات لا نهاية لها. كذلك إن الكثير من الأشخاص يجهلون أمورا أساسية وضرورية، ولا تكاد تصدقهم إذا ادعوا أنهم يجهلونها، فمنهم من لا يعرف أنّ تخريب ممتلكات الدولة ممنوع، ومعاقب عليه، من كسر للأشياء العامة وتخريبها واقتلاعها، فيفعل البعض ذلك لأي سبب من الأسباب قبل أن يتفطن متأخرا إلى أنه ارتكب مخالفة، بل جنحة تستحق العقاب، وكذلك مخالفة حمل أشخاص غير مرخص بهم، وهو ما يفعله »الكلوندستانات« ورغم أن قلة منهم لا يعرفون أن ذلك مخالف للقانون إلا أنك تجد فعلا بينهم من يجهل ذلك، والعبث برموز الدولة مثل الراية والنشيد الوطني، مثلا، إنّ على المواطن أن يدرك ماله وما عليه، حتى لا يقع في المحرمات والممنوعات، دون أن يعلم أنها كذلك، وعلى الدولة من جهتها أن تحرص على أن يصل القانون إلى الجميع، فتلقنهم في المدارس، وتنشر كل جديد يطرأ عليه على شاشات التلفزيون وهكذا، حتى يطلع الجميع عليه، فلا نسمع مستقبل عبارة، »ما كانش علا بالي«!