إذا كانت الأحكام القضائية إحدى أهم النتائج التي يتطلع إليها المحامي وموكله بعد مرور وقت من الزمن على سير الإجراءات أمام المحاكم، فإنه وبمجرد صدور حكم لا يخدم أحد الأطراف فإن أول شيء يقال هو أن القاضي لم يراع المصداقية عند النطق بالحكم إما لكونه غلب قناعته الشخصية، أو لأنه لم يلتزم بالنص القانوني، أو لأنه لم يسع وراء التحقق من صحة الأدلة المقدمة أو لكونه غير مختص... وغيرها كثير من التفاسير التي تصب كلها في اتجاه عدم الاقتناع بالحكم لا سيما الأحكام الجزائية التي توجه أغلبها إلى الاستئناف. المبدأ يقضي أنه يقع على خاسر الدعوى الاستئناف مادام أن الحكم لم ينصفه أو لم يأت في صالحه، ورغم أن القانون يمنح له فرصة التقاضي من جديد على مستوى الدرجة الثانية يقدم من خلالها دفوعا أو وثائق جديدة، فهذا لا يعني أن الحكم مشكوك فيه حسب ما يؤكد عليه محام معتمد لدى المجلس التقته "المساء" في بهو محكمة عبان رمضان، حيث يقول "المتقاضي دائما عندما يتوجه إلى المحكمة تكون لديه قناعته بأنه هو صاحب الحق، فإذا خسر الدعوى فإن محاميه يحاول إقناعه بأن الخطأ ليس في الحكم الصادر وإنما لكونهم لم يلتزموا بتقديم وثيقة ما، أو لغياب شاهد أوما شابه ذلك. فالقاضي عند النطق بالحكم يتحرى دائما وجود أركان الجريمة إذا كنا بالشق الجزائي من خلال البحث عن الأدلة التي تؤكد ثبوت الفعل، بعدها يضيف المتحدث تأتي السلطة التقديرية للقاضي التي تعني أنه يقدر توفر الأركان من خلال ثبوت وجود الفعل، وبالتالي فالتقاضي على الدرجة الثانية هو مبدأ يعتمده خاسر الدعوى وأن الذهاب للقول بعدم مصداقية الأحكام هي أفكار تنتشر خاصة من الذين يلجأون إلى المحاكم للتقاضي بدون تعيين محام، وبالتالي يصعب عليهم تقبل الأحكام لجهلهم بالقانون ". التشكيك في صحة الأحكام وراء الاستئناف وإذا كان هذا المحامي يبتعد عن التشكيك في مدى مصداقية الأحكام، فإن بعض المحامين يرون غير ذلك، إذ يذهب البعض منهم للقول بأن هناك حالات يكون فيها المحامي متأكدا بنسبة 90 بالمئة بأن الحكم في صالحه من خلال ما لديه من معطيات، لا سيما وأن النصوص القانونية إلى جانبه، إلا انه يتفاجأ بصدور الأحكام بالإدانة، وقد أرجع هؤلاء المحامين السبب وراء غياب الثقة في بعض الأحيان إلى غياب الخبرة لدى بعض القضاة، وخير دليل على ذلك أنه بعد صدور الحكم بخسارة الدعوى يأتي هذا الأخير "غير محيث" أي لا يوجد به إشارة إلى السبب وراء خسارة الدعوى فيكتب الحكم مثلا "رفض الدعوى لعدم التأسيس أولعدم وجود قرائن قوية"، هذا إلى جانب الكم الهائل من القضايا التي يطالب القاضي بالفصل فيها، فقد تصل إلى 180 قضية. فعامل الكم يؤدي إلى عدم دراسة الملفات بصورة دقيقة، فنجد مثلا خمسة أحكام فقط تم النطق فيها بصورة معقولة وقانونية، أما باقي الأحكام تأتي ضعيفة، وهو ما يجعلها عرضة للتقاضي على الدرجة الثانية، لأن المجلس يحتوي على قاض ومستشارين، وبالتالي فإن احتمال استقامة الأحكام قد تصل إلى 40 بالمئة، وهو ما تؤكده المحامية "كريمة س" التي تقول "شخصيا لا أبحث عن مناقشة مصداقية الأحكام من عدمها، أوالتشكيك بها مادام لدي أحقية التقاضي على درجتين وبالتالي فإن ما يغيب عن القاضي بالدرجة الأولى أسعى إلى توضيحه بطريقة أخرى عند الاستئناف". عند صدور الأحكام تطغى السلطة التقديرية ومن بين القانونيين الذين التقيناهم بمحكمة عبان رمضان - موثقة - كشفت ل"المساء" أن بعض الأحكام خاصة في مادة الجنح تأتي مجحفة لأنها تخضع إلى السلطة التقديرية لقاضي الجلسة، فإذا كان مثلا القاضي متسامحا، فإننا نجد أنه يتسامح مع المتهمين غير المسبوقين قضائيا من الذين يرتكبون الأفعال لأول مرة، في حين نجد أنه بالمقابل إذا كان طبع القاضي قاسيا فإنه يرسل مباشرة بالمتهم إلى السجن دون أن يراعي أية اعتبارات أخرى، وإلا كيف نفسر عرض قضيتين تحملان نفس المعطيات ونفس التهمة ويأتي الحكم بهما مختلفا، لذا تعلق المتحدثة: "لابد على القضاة الابتعاد عن القناعة الشخصية التي تجعل المصداقية تغيب بالأحكام، كما أنه ينبغي عدم الاستهانة بحرية الأشخاص لأنها مقدسة". ومن جهتها المحامية سليمة ترجع السبب الرئيسي وراء غياب القناعة بالأحكام الصادرة خاصة عن المحاكم الابتدائية بالدرجة الأولى إلى عامل السرعة الذي كرسته التعليمة الوزارية الجديدة، والتي مفادها تجنب التماطل من خلال الفصل في القضايا بآجالها، ففي القضايا المدنية مثلا ينبغي أن لا تعرض القضية أكثر من خمسة مرات، إذ لابد أن يصدر الحكم فيها بالجلسة الخامسة، أما في مواد الجنح فلا ينبغي أن تتجاوز القضية أكثر من ثلاث جلسات، وهو ما يجعل عامل الموضوعية يغيب عند دراسة القضايا لأن الهدف المنشود هو السرعة عند دراسة الملف الذي يزيد من احتمال الخطأ، وبالتالي إهدار حقوق المتقاضي، لذا حبذا تقول المتحدثة لو يتم إعطاء وقت أكبر في القضايا المدنية التي يتعذر معها تقديم بعض الوثائق الإدارية التي تتطلب مدة من الزمن حتى تجهز أو الاستدعاءات التي تتم عن طريق الرسائل مثلما كان يتم العمل به سابقا حيث كانت القضايا تستغرق 3 سنوات حتى يفصل بها احتراما لحقوق المتقاضي." غياب التخصص وراء هشاشة الأحكام ومن جهته ينفي أستاذ بجامعة بن عكنون ومحام معتمد لدى المجلس، ينفي المسؤولية في هشاشة الأحكام عن القاضي، ويقول إن الإشكال اليوم يدور حول غياب التنظيم بالجلسات والعدد الهائل من الملفات، إلى جانب ضعف الدفاع خاصة إذا كان من يدافع عن قضيته مواطن لم يعين محاميا، ولا يملك ثقافة قانونية، وبالتالي لا يعرف كيف يدافع عن حقوقه فإن النتيجة هي خسارة الدعوى، وبالتالي التشكيك في مصداقية الأحكام. إلى جانب ذلك فإن إلزام القاضي بالفصل في عدد كبير من القضايا خلال وقت قياسي يؤدي به إلى إهمال أوإغفال بعض جوانب الملف، لذا أقترح أن يتم التخفيف من القضايا من خلال تقليص عدد الملفات، لأن الهدف هو الإلمام بالملف حفاظا على حقوق المتقاضين، إلى جانب مساعدة المواطنين في القضايا التجارية والإدارية، وفي قضايا الأحوال الشخصية بتعين محام لهم لتجنب لجوء المواطن للكاتب العمومي غير المطلع على المستجدات التي تشهدها الساحة القانونية، والذي يسهم إلى حد كبير في جعل الأحكام سلبية، لأن القاضي يحكم بناء على ما يكتب بالعريضة المقدمة. من جهة أخرى أشار الأستاذ لنقطة مهمة وهي غياب التخصص، فنجد مثلا قاضيا بالأحوال الشخصية يكلف بالفصل في القضايا التجارية أو الجزائية بسبب نقله من فرع إلى آخر، وهو ما يجعل أحكامه ضعيفة، هذا إلى جانب نقص الدورات التكوينية والملتقيات التي تفتح الباب للاطلاع وتفسير النصوص الجديدة التي تصدر يوميا، وعليه يعلق المتحدث قائلا: "القاضي هو نتاج محيط عام، وحتى تكون أحكامه أكثر مصداقية لا بد من تهيئة الظروف المحيطة به لأداء عمله". أحكام القضاة مرآة تعكس مدى نزاهتهم وردا على ذلك قال جمال العيدوني رئيس النقابة الوطنية للقضاة الذي التقته "المساء" بمقر النقابة بالشراقة إن الأحكام التي تصدر عن القاضي الجزائري يحكمها القانون الأساسي للقضاء، بما في ذلك مدونة أخلاقيات المهنة التي تنص على أنه لابد للقاضي أن يفصل في قضية ما بالآجال المعقولة، وله في ذلك السلطة التقديرية. وحول ما جاء على لسان بعض المحامين عن سرعة الفصل التي تجعل الحكم فاقدا لمصداقيته يضيف المتحدث "سابقا وقبل الشروع في إصلاح قطاع العدالة كانت القضايا تجوب المحاكم مدة من الزمن قد تصل حد الأربع سنوات فما فوق، حيث كان المتقاضي والمحامي يشتكيان من البطء في الفصل بالقضايا، أما اليوم وفي ظل الإصلاحات الجارية تم البت في القضية خلال أجل ستة أشهر تكون مهيأة وجاهزة للفصل بها، وبالتالي فالقول بسرعة الفصل لا يقلل من قيمة الحكم. كما وأننا نجد بالمحاكم العديد من المحامين يطالبون بالتأجيل من دون تقديم سبب مقنع، في الوقت الذي يتولد لدى القاضي الاقتناع بأن الملف أصبح جاهزا للفصل فيه، وعليه فإن الاحتجاج في هذه الحالة غير مجد لأن القاضي يتمتع بواسع النظر والكفاءة اللازمة التي تعطيه حق الفصل في القضية". أما فيما يخص استئناف الأحكام بالدرجة الثانية فيؤكد المتحدث أن الدستور يكفل للمتقاضي حق إعادة النظر بالحكم على مستوى الدرجة الثانية لإعادة النظر في مدى قانونيته، ولكن هذا لا يعني أن الحكم مشكوك فيه أوغير عادل، لأن هذا الأخير يصدر باسم الشعب الجزائري وهو ملزم للأطراف، كما أن القاضي محايد، عندما يدرس الملفات التي تقدم له فإنه مطالب بإعطاء كل ملف حقه من العناية كما أن الحكم الذي يصدره هو مرآة له تعكس مدى نزاهته وكفاءته والتزامه في أداء واجبه المهني، لا سيما وأن الأمر يتعلق بحرية الأشخاص وحقوقهم، وبالتالي فهو يدرك جيدا متى وكيف يكون الحكم ملائما ومتى يكون رادعا. ومن جهة أخرى يضيف "نلاحظ على أرض الواقع أن معظم الأحكام يتم تأييدها على مستوى المجلس، في حين تبقى تلك التي يتم رفضها وتغييرها خاضعة لبعض المعايير التي تتعلق بالقاضي في حد ذاته، فما يراه قاضي الدرجة الأولى قد لا يتفق فيه مع قاضي الدرجة الثانية لاسيما وأن قاضي الدرجة الثانية يختلف من حيث التشكيلة والخبرة عن قاضي الدرجة الأولى". وعن التكوين يعلق رئيس نقابة القضاة قائلا: "المدرسة العليا للقضاة يتخرج منها قضاة أكفاء متشبعون بالثقافة القانونية، لاسيما في ظل البرنامج التكويني الذي سطر لهم منذ سنة 2000، فإلى جانب التربص القاعدي الذي يدوم ثلاث سنوات والتكوين التخصصي، فإن هؤلاء القضاة يخضعون لدورات تكوينية على مدار السنة، بما في ذلك دورات بالخارج التي تزيد من كفاءة وتكوين القضاة من خلال إطلاعهم على كل ما هو جديد في عالم الإجرام، كجرائم الإعلام الآلي وجرائم تبييض الأموال، كما أن القاضي مطالب مثلا بإعداد 100 ملف ودراسة، في حين نجد أن المحامي يعد ملفا واحدا، وبالتالي لا مجال للاحتجاج حول مصداقية الأحكام مادام أن القاضي يحكمه الضمير المهني الذي يجعله يولي أهمية كبيرة لكل قضية على حدى".