شهدت مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات الالكترونية مؤخرا، حضوراً لافتاً لمجموعة كبيرة من الدعاة والمشايخ السعوديين الذين تمكنوا من اختطاف الأضواء عبر انخراطهم في موجة الإعلام الجديد التي توصف بأنها الأكثر نمواً وإقبالاً في الوقت الراهن. وتفاوت حضور المشايخ في وسائط الإعلام الجديد بين ال "فيسبوك" و"توتير" و"يوتيوب"، حيث تواجدوا فيه بكثرة كأعضاء، أو كأصحاب صفحات، أو قنوات، مما مكنهم من إظهار أعمالهم ومناشطهم الدعوية والعلمية، من محاضرات ودروس وندوات. كما استثمر بعض الدعاة نافذة "الفيس بوك" لطلب اقتراحات وآراء الأصدقاء حول الأفكار الدعوية أو التعليق أحيانا على الأحداث العامة، فيما استخدمه دعاة آخرون كقناة شخصية يُشركون فيها الآخرين اهتماماتهم وميولهم. وأحدث وجود المشايخ في وسط يستخدمه الجميع نقله نوعية في مفهوم الخطاب الدعوي، والذي تحول من مفهوم التلقي إلى مفهوم المشاركة، ومثال لذلك لم يتردد الداعية المعروف الشيخ توفيق الصائغ في أن يشارك أصدقاءه في صفحته على ال"فيس بوك " لأخذ اقتراحاتهم حول خطبة الجمعة التي يلقيها بشكل دوري في مسجد اللامي بمدينة جدة. و أشار الشيخ توفيق الصائغ إلى أن اقتراحات الأصدقاء وأفكارهم أثرت خطبة الجمعة وأسهمت في حيويتها، مضيفا في حديث خاص ل "العربية.نت": "أغلب من في صفحتي هم ممن يحضرون عندي الخطبة في المسجد، واقتراحاتهم تفيدني في ملامسة اهتماماتهم وقضاياهم، وحتى لا تكون خطبي في واد، وهمومهم ومشاكلهم في واد آخر" كما لم يجد الشيخ توفيق الصائغ حرجاً من أن يستخدم صفحته كقناة يشرك فيها الآخرين انطباعاته، كطرحه مثلا في صفحته خواطر شخصية جاء فيها "صباحك سكر، فحين لا أقول أحبك، فمعناه إني أحبك أكثر..." وهو ما جعله يستقبل مئات التعليقات المرحِّبة بتلك الأبيات من أصدقائه في الصفحة من الجنسين. التواجد الاجتماعي لأجل القدوة ولم تنحصر استخدامات المشايخ لهذا الوسيط حول الأمور الدعوية والشخصية فقط، بل تعدتها إلى الأمور العامة، حيث لم يتردد الداعية المعروف الدكتور علي العمري من الخوض -في صفحته التي وصل عدد معجبيها إلى 54 ألف شخص- في الأحداث العامة، حيث تشهد صفحته بشكل دوري تعليقات حول الأحداث الراهنة تنطلق من الرؤية الشرعية، هذا إلى جانب تدوينات مستمرة لأفكاره وتحديثات لآخر برامجه التلفزيونية. وأكد الدكتور العمري، رئيس منظمة فور شباب العالمية، أن أدبيات الدعوة تؤكد على أهمية أن يكون الداعية صاحب حضور دوري بين الناس، حتى يكون قدوة للآخرين، مضيفا أن الكثير من العلماء شددوا على أن فاعلية الدعوة بالاقتداء لا تتحقق إلا بالحضور الاجتماعي، وهو الذي تمثله بعض استخدامات الإعلام الجديد حاليا. وبين الدكتور العمري أن أهداف الدعوة وإن تحققت سابقا عبر وسائل تقليدية، فإن علماء ودعاة اليوم قد وجدوا أنفسهم أمام نوع جديد من الإعلام المبني على التواصل المباشر دون وسيط، وهو الأمر الذي دفعهم إلى اختيار قنوات إعلامية غير تقليدية في إطار سعيهم في تحقيق معادلة الدعوة والفاعلية بالقدوة والسلوك عبر الحضور الاجتماعي كما اشترطتها أدبيات الدعوة. فتاوى افتراضية وإذا كانت صفحات بعض العلماء والدعاة مثلت ما يشبه ديوانية الآراء والاقتراحات الافتراضية من خلال كونها ساحة لتبادل الأفكار بين الداعية ومحبيه، فإن ثقافة التواصل البديلة التي حملها الدعاة والمشايخ عبر صفحاتهم استقبلها كثيرون من مستخدمي الموقع بالطريقة التقليدية ذاتها في مخاطبة العلماء بأسئلة شرعية واستفتاءات دينية. حيث إن إطلالة واحدة على صفحات أحد الدعاة كصفحة الداعية الدكتور على بادحدح، أو الدكتور عوض القرني، تكفي لقراءة عشرات الأسئلة الإلكترونية التي تستفسر عن مواضيع شرعية معينة، وهو الأمر الذي حول صفحات بعض العلماء والدعاة إلى ساحات للإفتاء، وكثيرا ما يرسل المستفتون رسائل غاضبة لتأخر هذا الداعية أو ذاك في الإجابة على استفساراتهم. إلى ذلك، قال عبد الرحمن الشهري، الاستشاري في مجال الإعلام الجديد، إن أغلب استخدامات الدعاة والمشايخ السعوديين للشبكات الاجتماعية ما زالت تقليدية، وبجهود ذاتية، ولم تصل بعد إلى مرحلة الاحترافية المؤثرة، بحسب وصفه، وأكد الشهري على ضرورة تغير مضمون الخطاب الدعوي حتى يتماشى مع الوسيلة الجديدة، وهو الأمر الذي ما زال مفقودا لدى الكثير من الدعاة، بحسب قوله. وقال الشهري، إن هناك دعاة ومشايخ يرفضون إلى الآن استضافة الفتيات في صفحاتهم حتى وإن كانت صورهم تعبيرية، كما أن بعضهم يقوم برفع محاضرات ودروس تستمر لساعات، وتابع "هذا سلوك لابد أن ينتهي، وعلى الداعية أن يعي بأن بيئة المسجد تختلف عن بيئة "الإعلام الجديد"، ولابد أن يغير من مضامين خطابه حتى يتمكن من التأثير على الشريحة المتواجدة في هذا الوسيط". كما شدد الشهري على ضرورة أن يستعين الدعاة والمشايخ بالمتخصصين في مجال الإعلام الجديد، وأن لا يفرضوا الآلية والكيفية، بقدر ما يتمثل دورهم في تقديم المحتوي فقط، وأضاف "حتى في صياغة المحتوي لا بد أن يراعي الداعية البيئة التي يمارس فيها نشر المحتوي، باعتبار أن الوسيلة تؤثر تأثيرا مباشرا في محتوى الرسالة". تجدر الإشارة، إلى أن مصطلح "الإعلام الجديد" يعرَّف على أنه نشر للرأي والمعلومة والخبر والتجارب والصور الفيديو، من قبل أفراد مستقلين غير خاضعين لأي نظام سياسي، سوى التزام الفرد بما يؤمن به من قيم ومبادئ، وذلك عبر وسائل الاتصال الحديثة المرتبطة بالانترنت كالمدونات، والشبكات الاجتماعية، ومواقع الصور والفيديو مثل يوتيوب، بالإضافة إلى الصحافة الإلكترونية.