سنتحدث في هذه الحلقة كيف تمكن منتخب المجر من إلحاق أول هزيمة بمنتخب الأورغواي في كأس العالم. لكن المنتخب الذي هزم هذا الأخير في المربع الذهبي لم يكن ينتظر أن يخسر النهائي أمام منتخب ألمانيا، الذي كان قد ألحق به شر هزيمة في الدور الأول. الدور ربع النهائي الماكينات الألمانية تبطل الآلة اليوغسلافية في أولى مباريات الدور ربع النهائي لم تجد ألمانياالغربية أي صعوبة في تخطي الدور ربع النهائي بعد تجاوزها الآلة اليوغسلافية. بدأت ألمانيا بفوز سهل على يوغسلافيا 2-0، سجلهما كل من هورفات خطأ في مرمى فريقه، وران الذي عزز تقدم فريقه في الشوط الثاني. وقد حاول اللاعبون اليوغسلاف العودة في النتيجة خلال النصف الأخير من المرحلة الثانية، لكن الخطة الدفاعية التي انتهجها المدرب الألماني أبطلت جميع محاولات اليوغسلاف، لتنتهي المباراة بفوز ألمانياالغربية، فوز كان بمثابة إنذار لمنافسه في الدور الموالي. أبطال العالم يحطمون كبرياء الإنجليز المواجهة الثانية عن الدور ربع النهائي جمعت بين بطل الدورة الأخيرة الأورغواي مع المنتخب الإنجليزي، وهو اللقاء الذي حضره عدد كبير من المناصرين الإنجليز، بما في ذلك مشجعو المنتخب الإسكتلندي، الذين فضلوا البقاء في سويسرا لمناصرة المنتخب الإنجليزي بعد خروج منتخب بلادهم في الدور الأول. ورغم تشجيعات الآلاف للمنتخب الإنجليزي إلا أن لاعبي منتخب الأورغواي واصلوا سلسلة انتصاراتهم في كأس العالم. وإلى حد هذا اللقاء بقي المنتخب الوحيد الذي شارك في نهائيات كأس العالم ولم يعرف طعم الخسارة. وقد جسد لاعبو الأورغواي قوّتهم، وأقصوا منتخب إنجلترا من البطولة بالنتيجة والأداء 4-2. النمسا تقصي منظم البطولة في مواجهة دراماتيكية المواجهة الثالثة عن الدور ربع النهائي جمعت بين المنتخبين النمساوي والسويسري منظم البطولة. ورغم عاملي الأرض والجمهور إلا أن ورقة العبور إلى المربع الذهبي كانت من نصيب المنتخب النمساوي. تأهل النمسا والتحاقها بمنتخبي الأورغواي وألمانياالغربية لم يكن سهلا؛ فقد تعذّبت كثيراً النمسا لتتخلص من سويسرا المضيفة وبشكل دراماتيكي. فبعد شوط أول عاصف أنهته سويسرا لمصلحتها وبنتيجة 4-2، لملمت النمسا صفوفها وشددت هجماتها واستفاد لاعبوها من فارق اللياقة ومن حماسهم وتصميمهم، ليزرعوا في الشباك السويسرية خمسة أهداف جديدة، فيما لم تسجل سويسرا سوى هدف واحد لم يكن بقدم أيٍّ من لاعبيها، بل جاء من قدم النمساوي هانابي خطأ في مرمى فريقه، لتنتهي المباراة بفوز النمسا 7-5، وكانت هذه أكثر مباريات البطولة أهدافاً. المجر تزيح البرازيل في معركة برن آخر المتأهلين إلى المربع الذهبي كان المنتخب المجري في مواجهة وُصفت بأنها النهائي المبكر للبطولة، لرفعة مستوى الفريقين، كما وُصفت بأنها الأخشن والأسوأ والأعنف في تاريخ بطولات كأس العالم، ولولا الحزم الشديد والتوفيق الكبير الذي لازم حكمها الإنجليزي آرثر أليس الذي طرد 3 لاعبين لفسدت المباراة أكثر. وبدأت المباراة بهدف مجري مبكر سجله هيديكوتي بعد 3 دقائق من البداية، وعززه كوتشيش بهدف ثانٍ. وكان المجر الأكثر تهديداً وسيطرة، لكنه استطاع تقليص الفارق للبرازيل بهدف من ركلة جزاء. وازدادت الخشونة في الشوط الثاني الذي بدأ بتسجيل المجري لانتوس هدفاً ثالثاً لفريقه، رد عليه جولينيو مقلصاً الفارق إلى 3-2، لتأخذ المباراة طابعاً أكثر إثارة وندية، فشهدت تبادلاً هجومياً مكثفاً وسريعاً، وللشد العصبي الزائد اشتبك المجري بوجيك والبرازيلي نيلتون سانتوس فطردهما الحكم، وتدخلت عارضة المجر لرد قذيفة ديدي التي أعلنت بداية السيطرة المطلقة للبرازيل. لكن كوتشيش وعلى عكس مجريات اللقاء، خطف هدفاً زاد في الضغط النفسي على البرازيل، التي لم يجد مدافعها توزي أمامه إلا أن »يفش غلّه« ويضرب لاعباً منافساً هو (لوران)، فطرده الحكم لكنه ركع عند قدمي هذا الأخير باكياً، مترجياً تغيير القرار، وهذا لم يكن ممكناً. ولم يقتصر العنف على اللاعبين المشاركين في المباراة بل امتد كذلك لصفوف الاحتياطيين، فقد قذف بوشكاش الذي كان يجلس بين الاحتياطيين متأثراً من إصابته في المباراة السابقة، البرازيلي بينيرو بزجاجة في وجهه، سببت له شقاً طوله (8سم)! وانسل هارباً إلى غرفة ملابس منتخب المجر، لكن فريق البرازيل تبعه بكامل لاعبيه الأساسيين والاحتياطيين، وتحولت الغرفة إلى »مسلخ« أصيب فيه 3 من لاعبي البرازيل و4 من المجر، واضطرت الشرطة للتدخل لحماية الباقين وإبقائهم على قيد الحياة. وانتهت المباراة بفوز المجر 4-2. ولم ينفع البرازيل تغييرها لقميصها من اللون الأبيض الذي خاضت فيه نهائي مونديالها السابق 1950م، إلى الأصفر والأزرق الذي لم يدفعها أبعد من الدور ربع النهائي.. وكانت البرازيل قد قررت ألا تلعب باللون الأبيض منذ نهائي المونديال 1950م. وعقب المباراة وجّه الاتحاد الدولي الشكر لكل من هيديكوتي وكوتشيش من المجر، وكاسيلهو من البرازيل لمحاولتهم وقف الاشتباك. نهائي غير متكافئ بين ألمانياالغربية والمجر لكن... لم يكن يساور أشد المتشائمين بأن المجر ستخرج فائزة على ألمانياالغربية في المباراة النهائية وتحرز باكورة ألقابها العالمية، خصوصا أن المنتخب لم يعرف طعم الهزيمة في 33 مباراة، حيث فاز في 27 وتعادل في 6 في العاميين الماضيين، أشهرها الانتصار التاريخي على إنجلترا مهد الكرة 6-3 في عقر دارها ملعب ويمبلي، وهي كانت الهزيمة الأولى لها في هذه القلعة. أضف إلى ذلك أن المنتخبين التقيا في الدور الأول وأسفر لقاؤهما عن فوز كاسح للمجر 8-3. وكان المنتخب المجري يعيش عصره الذهبي بقيادة فرانك بوشكاش وساندور كوتشيش وتسيور وزكريا وغروشيش. النهائي لُعب في يوم ماطر بحضور 60 ألف متفرج أقيمت المباراة في جو ماطر وحضرها نحو 60 ألف متفرج بينهم 15 ألف ألماني. وخوفا من حدوث أعمال شغب بين النازيين الجدد والشيوعيين القادمين من المجر، تم تسخير حوالي 10 آلاف رجل أمن، مدججين بالأسلحة النارية والكلاب. نجم منتخب المجر شارك في آخر لحظة قبل بداية المباراة حام الشك حول مشاركة بوشكاش نجم المنتخب المصري واحد عباقرة »الساحرة« في القرن العشرين، كونه كان مصابا، لكن مدرب المجر قرر المغامرة وإشراكه أساسيا. النهائي التاريخي... تتويج ألمانيا مع أن الكرة المستديرة تعطي ظهرها أحيانا لمن يستحق، إلا أن كل المعايير والمقاييس كانت لا تصدق قبل اللقاء أو بعد فوز ألمانيا على المجر... وكانت أغرب وأقسى مفاجأة في تاريخ المباريات النهائية لكأس العالم بأسلوب الحرب الخاطفة المعتادة للمنتخب المجري. سجل بوشكاش العائد من الإصابة، وتسيبور هدفين للمنتخب المجري في الدقائق الثمانية الأولى. واقتنع 60 ألف متفرج الذين تابعوا اللقاء من مدرجات ملعب وانكدورف في العاصمة السويسرية، بما في صدورهم وعقولهم أن المباراة من جانب واحد، وإذا بالألمان انتفضوا من ذهولهم وأحرزوا هدفين مباغتين سريعين.. أحرز مورلون الهدف الأول في الدقيقة العاشرة، ومع ارتباك المجريين أضاف الألماني ران هدف التعادل في الدقيقة الثامنة عشرة، لينتهي الشوط الأول بالتعادل 2-2، ومع الإعصار الهجومي المتواصل للمجر في الشوط الثاني وهدف المجر الذي أحرزه بوشكاش وألغاه الحكم الإنجليزي لينج طبقا لراية مساعده الويلزي جرينيث.. ووضع الألماني ران حدا مفاجئا انهارت معه الإمبراطورية المجرية الكروية. واستغل الخطأ الوحيد في المباراة للحارس المجري جروشيتس، وسجل هدف الفوز لألمانيا قبل النهاية. وعاد الموكب المجري الحزين في قطار كهربائي مغلق إلى وطنه. نهاية أسطورة المجر انخرطت المجر في دوامة الأحزان... واستقبلت ألمانيا لاعبيها ومديرهم سيب هربرجر استقبال الفاتحين.. وتعالت الشقيقين الألمانيين فريتز وأوتمار فالتر؛ لكونهما أول شقيقين في التاريخ يلعبان سويا في نهائي كأس العالم ويفوزان بالميداليات الذهبية...