عادة ما نخشى من السرقة عندما نكون في بعض الأماكن المشبوهة، أو الخالية من البشر، والتي لا يمكننا فيها الاستنجاد بأحد، هذا بالنسبة للصوص الذين بقي لهم شيء من حياء، لكن انتشر في المدة الأخيرة نوع آخر من اللصوص يسرقون الناس جهارا نهارا، دون أن يردعهم رادع· مصطفى مهدي هم لصوص جربوا كل شيء، ولم يعودوا يخشون شيئا، مع الوقت انتزع الحياء من وجوههم، ومع الوقت كذلك صاروا لا يخشون السجن، بل قد يكون هدفهم، ومع الوقت كذلك ابتعدوا عن الله، وأصبحوا لا يستحيون من أن يسرقوا الناس أمام الملأ، فإذا قبض عليهم، فهم في السجن كعادتهم، وإلا فهم طلقاء، يعيشون مما سرقوا إلى حين· ونحن في شارع ديدوش مراد، أو في حافلة كانت ستتوقف في المحطة، ولكن قبل أن تتوقف وقعت حادثة سرقة، بطلها شاب في الثلاثين من العمر، يرتدي لباس اللصوص، كما يسمى بذلة رياضية وحذاء يساعده على الهرب إذا ما احتاج إلى ذلك، كان ضحيته مراهق في السادسة عشر، واقفا في محطة الحافلات حاملا هاتفا نقالا، فانقض عليه الشاب وانتزع منه الهاتف، وقد حسب المواطنون أن الأمر يتعلق بمزحة، وأن الشاب يعرف المراهق، ولكنهم فوجئوا به يهرب أمام الجميع، ومن فرط الدهشة لم يقبض عليه أحد، بل راحوا يتابعون المنظر كما لو أنه مشهد من فيلم بوليسي، أو فيلم هزلي، كان الشاب قد فر حاملا الهاتف في يده، وأما المراهق فراح يركض وراءه، قبل أن يعلق الناس على المنظر وكأنه لا يعنيهم، فقال شاب إن السرقة تحولت إلى شيء عادي في بلادنا، وقال آخر كان يجب على المواطنين أن يقبضوا عليه، وإن كان اللص شابا قد فر بجلده، فإن آخرين قد لا يكون لهم نفس الحظ، مثلما وقع لشاب آخر من بوزريعة، لم يكلف نفسه حتى الابتعاد كثيرا عن حيه ليسرق، ولكنه اعتدى على شخص من شوفالي، كان يحمل حقيبة صغيرة في يده، وأخرى كبيرة كانت موضوعة على الأرض، كان يبدو من مظهره أنه لا يسكن في الحي، وأنه آت من مكان بعيد، وقد يكون ذاهبا إلى مكان أبعد، ولكن ذلك لم يشفع له عند ذلك اللص الذي أخذ منه تلك الحقيبة الصغيرة، ولاذ بالفرار لولا أن مواطنين رأوا الموقف، فأوقفه أحدهم، وراع يتصارع معه، ثم شارك باقي المواطنين في المعركة، وانهالوا على الشاب ضربا ولكما، خاصة بعد أن تبين لهم أن الأمر يتعلق بسرقة· ولعلّ هذه الحوادث تدلّ على تفرق المجتمع، وعلى يأس بعض الشباب، من الذين انهارت في نظرهم كلّ القيم، فلم يعد لديهم لا وازع ديني، ولا أخلاقي، ولم يعودوا يفكرون في السجن، بل صارت الحرية لديهم لا شيء، بل قد يكون السجن بالنسبة لهم أرحم من الشارع الذي لا يجدون فيه إلا الفقر والمأساة، وقد لا يجدون حتى مكانا يبيتون فيه، وسقفا يأويهم، فيكون المجتمع كله عدوا لهم، ولا يعتبرون أنفسهم معتدين بل ضحايا·