بقلم: أمير المفرجي* تتفق أغلبية الشارع العراقي على ان مستقبل البلد ونظامه السياسي وسيادته لم يعد شأنا داخليا يُسيطر عليه العراقيون بعد تقاسم الولاياتالمتحدةالأمريكية والنظام الثيوقراطي في إيران إدارة شؤونه السياسية والاجتماعية تماشياً مع المقولة المشهورة كل حسب اختصاصه . كما تشاطر أغلبية القوى والأحزاب السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية تفسير الشارع العراقي من خلال إقرارها بمحدودية حرية النشاط السياسي الوطني الرسمي العراقي وارتباطه المباشر بأجندات واشنطن وطهران اللتين تتشاركان معا في حكم العراق على الرغم من المؤشرات الواضحة لوجود صراع حضاري واقتصادي قديم بين هاتين الدولتين. وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن الطريقة التي استطاعت فيها إيران التواجد في المكان نفسه الذي اختارته الإدارات الأمريكية منذ 2003 بعد غزوها العراق رغم إعلان النظام الإيراني جهراً عداءه لأمريكا واعتبارها الشيطان الأكبر ورغم انعدام اسس التوافق الحضاري والسياسي بين النظام القومي المذهبي الفارسي والنظام الأمريكي الليبرالي العابر للأديان والاجناس. ونتيجة لهذه الإشكالية والازدواجية والتفسيرات المشروعة في قراءة أسبابها يذهب البعض من متتبعي الشأن العراقي إلى حد اتهام الولاياتالمتحدة والغرب بالعمل على توظيف السياسة المذهبية الفارسية وتطويعها كأداة دينية مذهبية هدفها إشعال حرب طائفية في المجتمعات العربية والإسلامية من خلال نشر الفوضى والانقسام بين أفراد الدين الواحد حيث ساهمت إدارتا جورج بوش وباراك أوباما عن طريق سياستيهما المتساهلة مع النظام الإيراني وغض النظر من اتساع تواجده في العراق من طرح قراءة قد تبدو واقعية تفضح الدور الأمريكي في العراق وتكشف احتمال توافقه مع النظام الإيراني لتقسيم البلاد وهدم الدولة العراقية ومؤسساتها الوطنية. إلا ان المؤشرات الجديدة التي جاءت بها السياسة الأمريكية بعد وصول الرئيس دونالد ترامب قد تدفع إلى ضرورة إعادة هذه القراءة الأولية التي تتهم الولاياتالمتحدة بالتواطؤ مع النظام الإيراني اذ أخذنا بعين الاعتبار الموقف الرسمي والشخصي المعادي للرئيس الأمريكي الجديد من ظاهرة اتساع النفوذ الإيراني في العراق واتهامات وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين إيران برعاية الإرهاب والتطور السريع في حجم الترسانة العسكرية وخطورتها على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ناهيك من تزايد الدعم الأمريكي الأخير لدول الخليج العربي لمجابهة الخطر الإيراني والعمل على تجديد العقوبات ذات الصلة بالسلاح النووي الإيراني التي خُففت بموجب اتفاق وقّع في عام 2015 مقابل موافقة إيران على كبح برنامجها النووي وتغيير سياستها التوسعية الهادفة إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط . وقد عززت هذه المؤشرات مؤخرا قيام سلاح البحرية الأمريكية بإطلاق عيارات تحذيرية على سفن إيرانية في آخر مواجهة بين الدولتين. ورغم فشل إيران الأيديولوجي في العراق وتحمل أحزابها المشاركة بالعملية السياسية الفاشلة مسؤولية تفشي الفوضى الطائفية والفساد وتنامي الشعور الوطني وتحوله إلى الاتجاه المدني الذي سيدفع بالنظام الإيراني إلى طريق مسدود ومن ثم إنهاء السيطرة والهيمنة على المشهد السياسي والاجتماعي العراقي يبدو ان أجندة الرئيس الأمريكي الجديد أخذت بعين الاهتمام خطورة وجود التحالف الإيراني الروسي في العراق وسوريا لضمان ألا تقرر روسياوإيران مستقبل الشرق الأوسط والعمل على دعم حلفائها من المعارضة الإيرانية في الداخل التي من شأنها ان تؤدي الى انتقال سلمي وإلى تغيير النظام الثيوقراطي في إيران حيث انه إذا لم تنجح استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط فان إيرانوروسيا سوف تمارسا سيطرة سياسية واقتصادية على المنطقة. على هذا النحو ولمنع تطور المشهد السياسي في عراق بما بعد معركة الموصل إلى فوضى جديدة أصبح من الواضح ومن خلال التصريحات الرسمية الأمريكية إن إدارة الرئيس ترامب ستوفر الدعم السياسي والعسكري لحكومة حيدر العبادي الحليفة لردع التنظيمات الطائفية حيث أصبح من المؤكد إن مفتاح نجاح إتمام معركة الموصل ومعركة العراق بشكل عام تتمثل في إنهاء تنظيم داعش ونفوذ نظام إيران. لا شك ان التحولات الأخيرة التي طرأت على أحزاب الدين السياسي الطائفي والنية المعلنة من قبل زعمائها بنزع العمامة الدينية وجعلها أكثر حكمة وانسيابا كتيار عمار الحكيم الجديد لم تأت بمحض الصدفة أو الرغبة في التحول من الدين السياسي المُربح سياسيا ومالياً بل من طبيعة الموقف الأمريكي الجديد لعراق ما بعد تحرير الموصل الهادف لملء الفراغ السياسي في بغداد والمناطق المحررة وتجنب دفع العراق مجددا إلى أحضان النظام الإيراني من جهة وانسجامه مع موقف رئيس الوزراء العراقي من الأزمة الأمريكيةالإيرانية وحرصه على تنفيذ المصالحة الوطنية ووقف التمدد الإيراني في العراق. يبقى الحلّ في العودة إلى الخيار الوطني بعراق عابر للطوائف فالمجتمع الدولي قد يعطي الأموال لإعادة بناء المدن المدمرة لكنه سيطالب بمزيد من التنازلات المتعلقة بنبذ الطائفية السياسية في حكم الدولة التي أودت بحياة الآلاف من العراقيين وولدت الإرهاب في شتى بقاع العالم. فدول العالم لا حديث لها اليوم إلاّ عن الإرهاب المقبل لبلادها وقضية وحدة التراب العراقي لم تعد على جدول أعمالها ولم تعد تحظى باهتمام زعمائها ولن يلفت أنظار العالم إليها إلاّ من خلال نظام وطني قادر على إخراج الشعب العراقي من متاهة الطريق ببوصلة وطنية تحميه من مخاطر التبعية وتخرجه من خرائط وأجندات القوى الإقليمية.