تورّط الداخل وتآمر الخارج غذّى شبكات الإرهاب وضع السفير العراقيبالجزائر، السيد عدي الخير الله، الأحداث التي تعصف ببلاد الرافدين منذ العاشر جوان الحالي في صورتها الحقيقية، وسعى إلى تصحيح المعلومات المزيّفة التي تصرّ بعض الجهات والمصادر الإعلامية المشبوهة على ترويجها بقصد جرّ العراقيين إلى حرب مذهبية تأتي على ما بقي من وحدة الشعب والأرض. واستغل السيد عدي الخير الله عقده لندوة صحافية، أمس، بمقر السفارة العراقية في الجزائر، ليكشف عن خيانات وتواطؤ داخلي من بعض القيادات العسكرية والسياسية، وخارجية من جهات لم يسمها، ساعدت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» على احتلال بعض المناطق الهامة في العراق، وأشار إلى أن ظاهرة الإرهاب التي تضرب بلاده بفعل فاعل، هي ككرة اللهب التي ستكبر وتمتد لتحرق المنطقة ومن يصبّ الزيت عليها ويؤججها. استهل السفير العراقي حديثه، أمس، بتوضيح التطورات على الأرض، حيث أكد أن «داعش» احتلت مدينة الموصل التي تعتبر ثاني المدن العراقية أهمية وتحتضن نسيجا ديمغرافيا متنوّعا،كما أضحت مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين بيد هذا التنظيم الإرهابي والأمر كذلك بالنسبة لتلعفر. وتساءل السّفير، كيف سقطت الموصل في لمح البصر ولماذا لم يتحرّك الجيش والشعب لحمايتها وصدّ الإرهابيين، الجواب بسيط ولا يستدعي بحثا معمّقا، فالذي حدث - كما قال عدي الخير الله - أن خيانات عسكرية وسياسية حصلت، مما سهّل استحواذ الإرهابيين على الموصل وتقدّمهم نحو مناطق أخرى، لكن لحسن الحظ أن الجيش وجموع المتطوعين الذين كسّروا كلّ الحدود الطائفية الوهمية، واجهوا الدّمويين بقوة النّار مثلما حصل في سامراء وبيجي وردّوهم على أعقابهم. ويبقى أمر تحرير الموصل من قبضة الإرهابيين، كما قال السفير العراقي، صعبة. فالحرب، حرب عصابات ومدن، والتدخّل عبر الطيران والقصف ستكون آثاره البشرية وخيمة، لهذا يتأنّى العراق في شنّ عملية عسكرية من هذا النوع. وبخصوص الجانب الإنساني، قدّم السفير العراقي صورة تقشعرّ لها الأبدان عن الجرائم المروّعة التى يرتكبها إرهابيو «داعش»، وقال إنّهم يقتلون الناس ويغتصبون النساء ويدنّسون الحرمات، ويرتكبون أبشع الإعدامات وإلقاء الضحايا في نهر دجلة... الإرهاب قضية دولية وإيران لم تتدخل أبرز السفير العراقيبالجزائر، السيد عدي الخير الله، أن ما يجري في بلاد الرافدين هو إرهاب يشكّل منظمة عالمية لها مخالب عديدة ومدعّمة استخباراتيا وماديا من طرف دول تحاربه هنا وتدعمه هناك. وقد «استوطن» هذا الإرهاب - كما أردف - في الكثير من البلدان العربية. وبخصوص «داعش»، قال السفير إنها تتكوّن من أغراب جاءوا إلى العراق لتنفيذ أجندتهم وانضمت إليهم عناصر من جيش صدام أو متعاطفون معه. وأضاف، أن استخبارات أجنبية وإقليمية تدعم هذا التنظيم، لكنّه تفادى تقديم تفاصيل أكثر في غياب الدلائل، وجزم بوضوح ملامح الهجمة الصهيونية في ما يجري بالعراق. وعن الموقف الإيراني الذي يكثر عنه الحديث والجدل، فقد أنكر السفير العراقي أن يكون هنالك تدخل عسكري رسمي للجمهورية الفارسية. وأكد أن طهران تكتفي بالدّعم السياسي، مشيرا بالمناسبة إلى أن العراق ليس بحاجة إلى قوات أجنبية، بل بحاجة إلى دعم بالسلاح الذي تأخر كثيرا في الوصول، فإلى حدّ الآن مازالت بغداد تنتظر تزويدها بالطائرات التي هي ضرورية لحسم أي معركة ضدّ الإرهاب. ولم يخف السفير العراقيبالجزائر، علاقة ما يجري في العراق من انحدار أمني، بالأزمة السورية وقال: «لقد حذّرنا منذ البداية بأن الأزمة في بلاد الشام ستكون طويلة الأمد ولها تداعيات على المنطقة، وعرضنا حلّها سلميا ورفضنا التدخل الخارجي، وها هي اليوم تلقي بظلالها الداكنة على بلاد الرافدين الذي يبدو بأنه مستهدف في استقراره وأمنه». سياسة المالكي ليست إقصائية ردّا على الاتهامات التي تحمّل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مسؤولية ما يجري في العراق من تصعيد أمني خطير، وتتّهمه بتهميش السنّة على حساب الأغلبية الشيعية التي ينتمي إليها، قال السيد عدي الخير الله، إن المالكي رجل غير طائفي بالمرّة، والنظام الذي يسيّر مجلس الوزراء مكون من عدة أحزاب وأطياف، ما يجعل المالكي بعيدا كل البعد عن الانفراد بالسلطة. ومن ناحية ثانية، نفى السفير العراقي قول بعضهم بأن ما يجري في الموصل «ثورة»، وقال: «لماذا تكون هنالك ثورة والانتقال الديمقراطي في العراق يمضي بسلاسة، ثم هل يتم التغيير بالقتل؟... هناك تضليل، الثورة لا تأتي من خلال «داعش» ولا «القاعدة». نحتاج إلى إسناد جوي وأمريكا خيّبت أملنا عن الموقف الأمريكي بخصوص التطورات الجارية في العراق، ذكّر السفير العراقي في الجزائر بالاتفاقية الأمنية الموقّّّعة بين بغداد وواشنطن، وقال: «بحكم هذه الاتفاقية الاستراتيجية من حقّ العراق أن يطلب من أمريكا التدخل الجوي لضرب المناطق التي تحتلها «داعش»، لكن لحد الآن ليس هنالك أيّ ردّ». وأشار إلى أن بلاده لا تطلب من أمريكا قوات، بل دعما عسكريا واستخباراتيا. وأشار السفير إلى أن العراق طلب رسميا من أمريكا هذه المساعدة، وقال: «يعاب على أوباما التأخر في الرد مما يجعل أمريكا التي دخلت العراق ولم يكن في نيّتها المغادرة، تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية الضحايا الذين يسقطون على أيدي «داعش» والمتورطين معها». وعن الحلّ للوضع المتأزم الذي يعيشه العراق، قال عدي الخير الله، إن هناك حلولا عسكرية على اعتبار أن السلاح لا يقاوم إلا بالسلاح، بالاضافة إلى الحلول والمبادرات السياسية لتقليص هذه الهجمة ومحاصرة «داعش» حتى لا تنتقل إلى مناطق أخرى، والإسراع بتشكيل الحكومة وعقد البرلمان وانتخاب رئيسه ومن ثم اختيار رئيس الجمهورية. وخلص السفير العراقي، إلى أن الوضع تحول من وضع مربك إلى متحكّم فيه، وزمام المبادرة أضحت بيد الحكومة والجيش وتجلى واضحا أن «داعش» ليست بالقوة العظمى. وعن قضية السجناء الجزائريين في العراق، قال السفير إنه بدأت بوادر لإطلاق سراح ثلاثة سجناء، لكنها تعطلت بسبب الانشغال بالانتخابات في الجزائروالعراق، وأوضح بأن المتورطين في قضايا الإرهاب والمتهمين جنائيا لن يعفى عنهم.