صار التسول ظاهرة تصادفنا أينما ولينا وجوهنا، ولعل السمعة التي التصقت بالمتسولين، من انهم اناس مستغلون، وهو حال بعضهم، ممن جعلوا من التسول تجارة رابحة تدر عليهم اموالا طائلة، ان هذه السمعة جعلتهم يحتالون في كل مرة ان يبتكروا طرائق حديثة، لإثارة شفقة المواطنين، او بعبارة اصح للاحتيال عليهم. ومن هؤلاء متسولون، ليس بهم عاهات، او لا يمكن اكتشاف ان كان بهم مرض او عاهة ام لا، حيث انهم يمرون بالمقاهي، لا يطلبون صدقة من المواطنين، او من زبائن تلك المقاهي ، ولكن، يتركون قصاصة ورقية على الطاولات، يقصون فيها كل معاناتهم، اب متوفي، ام مريضة، إخوة ماتوا في فيضان او زلزال، او أي حادثة او كارثة تكون قد وقعت مؤخرا، كل ذلك من شانه أن يجعل الزبائن، والذين لا يمكن ان يتجاهلوا تلك القصاصات، وتلك القصص، تجعلهم يشفقون على حال هؤلاء المتسولين. في زرالدة، وفي إحدى قاعات الشاي الفاخرة، دخلت متسولة في حوالي العشرين من العمر، كانت ترتدي ملابس انيقة، او على الاقل ليست ممزقة، وكانت تحمل في يدها قصاصات ورقية، راحت تمر بين الطاولات، وتضعها، وقد قرانا ما كتب فيها، وكان كالاتي: "انا صماء، وليس لدي ما اعيل به اسرتي، اخي توفي بمرض السرطان، وترك لي عبء التكفل بافراد اسرتي، أعينوني، جزاكم الله كل خير". ولما انتهت، او وضعت كل القصاصات، عادة لتأخذها من جديد، ولكن تاخذ معها كذلك الاموال التي راح يتصدق بها الزبائن الذين أشفقوا على حالها، وقد فعلنا، ولكن صديقنا سمير، وهو ابن المنطقة قال لنا ان تلك الفتاة ليست الا محتالة، وعندما نظرنا اليها مستغربين، قال انها واخوتها يسكنون فعلا في حي قصديري، وانهم فقراء، ولكنهم لا يفعلون سوى التسول او السرقة، وان اخوتها احترفوا السرقة في الأسواق الشعبية، اما هي ففضلت ان تتسول بهذه الطريقة، او بطرق اخرى، المهم ان تثير شفقة المواطنين، وقال ان مساعدتها يعني، بالنسبة له على الاقل، تشجيعهم على تلك الطريقة، فلو لم يكن التسول مربحا، لما استطاعت، او لما فكرت في ان تفعل، او ان تحتال على المواطنين. ليست حالة الشابة منفردة، ولكن كثيرين يفعلون نفس الشيء، أي يتسولون بهذه الطريقة، مثل شاب اخر، كان يفعل نفس الشيء، ولكنه يمر بالمحلات، ويضع قصاصة ورقية يشرح فيها ماساته، وهدفه بطبيعة الحال اثارة الشفقة، وجعل صاحب المحل يستمع له، او لحكايته كاملة، وبالتالي يتصدق عليه، بعد ان يشعر بالاحراج. لا شك ان البعض صار يرى في التسول حرفة، وهو الامر الذي يجعلهم لا يفكرون في ان يبتعدوا عنها، ولكن، بالعكس من ذلك، يبتكرون في كل مرة طرائق جديدة لكي يثيروا شفقة المواطنين، والذي بدو ان كرمهم لا ينفذ، والا لما تحول مد اليد عند البعض الى عمل يذر اموالا طائلة.