بمناسبة الانتخابات المحلية.. صوتك أمانة ومسؤولية مساهمة: الشيخ أبو إسماعيل خليفة عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ُكلُّكُمْ رَاع وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاع وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاع وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاع وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ . متفق عليه. عباد الله: ليس بجديد عليكم أن تُحدَّثوا عن شيء اسمه المسؤولية الاجتماعية التي يُعرِّفها البعض على أنها: الإلتزام الذاتي والفعلي للفرد تجاه الجماعة فالمسلم ومن خلال بنائه العَقَدي والمعرِفي بشكل عام تَربَّى على أن يُخاطَب من خلال المجتمع فلقد أَمَرنا ربّنا أن نتعاون على كل خير مبارك فيه عزٌّ للإسلام وأهلِه وعلى كلّ ما فيه نفعٌ للمسلمين. جاء في تفسير القرطبي قال الماوردي: ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبرّ وقرنه بالتقوى له لأن في التقوى رضا الله تعالى وفي البر رضا الناس ومَن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمّت سعادته وعمّت نعمته . أيها المسلمون: تعلمون أنّنا على أبواب الانتخابات ولا شكّ أن الكثير منا في ظل كثرة الأحزاب والأفراد يتساءل مَن أختار؟. سؤال يتكرر من الكثير وتتصارع الأهواء ويتجاذب العقل والعاطفة وتتنازع الرغبات والمقاصد والكثير في حيرة. وخاصة إن كثيرا ممّن أُشرِبوا حبّ المسؤولية يتسارعون إلى اكتساب الأصوات تطميعا وترغيبا. حتى لا يُوسَّد الأمر إلى غير أهله ألا وإن أوّل الفساد الذي يصيب المؤسسات والهيئات والإدارات والدول سوءُ اختيار الرجال بحيث يُوسَّد الأمر إلى غير أهله وهذا داءٌ قلّما سَلِم المصابون به من آثاره السيئة وعواقبه الوخيمة. وقد عرف العرب قديما هذا الداء فقالوا: (اعط القوس باريها). وقال شاعرهم: يا باريَ القوسِ بريًا لست تُحسِنُه * لا تَفسِدَنّها واعط القوسَ باريها فكم من متهافت على الزعامة متهالك عليها وهو ليس من أهلها ولا من طرازها ولكن الغرور وعدم الإعتراف بالنقص قاد إلى ما لا تحمد عقباه في كثير من الحالات. اختلالُ الأمور وانتشارُ الفوضى وانقلابُ الأوضاع وخراب المجتمع. وإنها لصورة مهولة مفزعة تقشعرّ منها الأبدان وتبعث الرعب في النفوس وتثير الخوف في القلوب وتُشعِر باليأس في إمكان النجاة. إنها قيام الساعة وكفى بها هولًا وفضاعةً. قال صلى الله عليه وسلم: إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة . رواه البخاري. تُهدى الأمورُ بأهل الرأي ما صلحت * فإن تولّت فبالأشرار تنقاد لا يصلح القوم فوضى لا سَرَاة لهم * ولا سَراة لهم إذا جهالهم سادوا فالنجاة.. النجاة..لا بد من ترتيب الكفاءات وإعطاء القوس باريها وإسناد الأمر إلى أهله. ولقد أشار القرآن الكريم والسنة النبوية إلى ضرورة توفُّر عنصرين هامّين فيمن يقع عليه الاختيار. العنصر الأول: هو عنصر الكفاءة أو الخبرة. والعنصر الثاني: هو العنصر الأخلاقي الأمانة. يقول الله في قصة موسى على نبينا وعليه السلام حين سقى لابنتي الرجل الصالح ورفَق بهما وكان معهما عفيفا شريفا: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ . القصص:26. فلقد قدّمت القوّة أو الخبرة على العنصر الأخلاقي وهو الأمانة ومعنى ذلك أن المطلوب في المسؤول أو الموظف الجديد أولا أن يكون خبيرا بشئون موقعه وهو في نفس الوقت موضوع تحت رقابة أعلى منه تُلزمه الأمانة في مباشرة عمله. ثم إن الإسلام يَرقُب من معتنقه أن يكون ذا ضمير حيّ تُصان به حقوق الله وحقوق العباد ومن ثَمَّ أوجب الإسلام على المسلم أن يكون أمينا وهو العنصر الثاني الذي يجب توافره فيمن يقع عليه الاختيار. قال صلى الله عليه وسلم: مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ عِصَابَة وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِينَ . رواه الطبراني. ومعنى ذلك أن الأمانة في نظر الشرع صفة واسعة الدلالة وهى تدل على معان كثيرة هي بإيجاز شعور المرء بمسؤوليته في كل أمر يُوكل إليه ومن هذه المعاني وضع الشيء في المكان الجدير به واللائق له فلا يُسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به ولا تُملأ وظيفة إلا بالرجل الذى ترفعه كفاءته إليها فلا اعتبار للمجاملات والمحسوبيات حتى الصحبة والصداقة لا يُنظر إليها في هذا المجال فهذا أبو ذرّ رضي الله عنه الذى كان محلّ تقدير من الرسول صلى الله عليه وسلم فلقد قال عنه يوما فيما رواه الترمذي: ما أظلّت السماء ولا أقلّت الغبراء أصدقُ لهجة من أبي ذر . ولكنه صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بتعيينه في موقع قيادي نصحه صلى الله عليه وسلم قائلا: يا أبا ذر إنك ضعيف -أي القيادة تحتاج إلى خصائص-وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها . أخرجه مسلم في الصحيح وأبو داود والنسائي في سننهما عن أبي ذر. لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم الأسس وقاعدة التفريق بين أهل الثقة ممّن تربطك بهم مودّة وبين أهل الخبرة ممن لا تربطك بهم صلة لكنهم قادرون على قيادة العمل بنجاح وتَفرِض المصلحة أن يُولَّى الخبيرُ بالموقع العليمُ بما يصلحه وإلا فلو كانت المناصب خاضعة للصداقة والصحبة لكان أبو ذر رضي الله عنه في طليعة الأفراد ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل مشيرا إلى ضرورة توفر شروط القيادة فيمن يتحمّل مسؤولية موقع ما. وإنها لأُسُسٌ دقيقةٌ وكفيلةٌ بأن تُصلح مؤسساتُ المجتمع على اختلاف مهامّها وتنوّع مجالاتها وتفاوت مراتبها وهي الأسس الغائبة في مجتمعنا وللأسف الذي صار يُعتمَد فيه اختيار المسؤول ومَن يناط بهم تحقيق مصالح الأمة ورعاية شؤونها على ما حذر منه عمر رضي الله عنه بقوله: من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولّى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين . رواه الطبراني. شهادة الحق.. فيا أيها المسلم: إن الإسلام يلزمك أن تكون قواماً بالعدل مؤدياً لشهادة الحق قاصداَ بقولك وفعلك وجه الله صادعاً بالحق والعدل ولو على نفسك ولو على أحبِّ الناس إليك كوالديك وأقاربك وذوي رحمك. إن الإسلام يُحذِّرك من العواطف في مثل هذه الأمور يحذِّرك من الإنحياز إلى صاحب الباطل بزعم قُربه أو قرابته فإن ذلك من اتباع الهوى والانحراف عن الجادة. فلا يحلّ لك أن تشهد بالصلاحية لمرشح ما لمجرد أنه قريب أو ابن بلد أو لمنفعة شخصية قدَّمها أو ترتجَى من ورائه بل يجب أن تُقِيم الشهادة لله قال تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلهِ . الطلاق: الآية: 2. فلْنَحْذرِ المحسوبِيَّات ولْنتجنَّبِ المُحَاباة فليست المسئوليات مِنَحًا تُهدَى ولا حقوقًا تُعطَى بل الإختيار لكل وظيفة يجبُ أن يكون على أُسُس موضوعية وعلمية لا على أساس الوساطة والمحسوبية والقرابة قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الحاكم: من ولِيَ من أمْر المسلمين شيئًا فأمَّر عليهم أحدًا محاباةً فعليه لعنةُ الله لا يقبلُ الله منه صرفًا ولا عدلًا حتى يدخله جهنم . وفي حديث آخر: أيما رجل استعمل رجلًا على عشرة أنفس عَلِمَ أن في العشرة أفضل ممَّن استعمل فقد غشَّ الله ورسوله وغشَّ جماعة المسلمين . قال اللهُ تعالى: وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ . يس: 6 ألم يكن فِي تلك المدينة غير هذا الرّجل؟!. بلى ولكنَّهم عجزوا عن مثل هذا الجميل من الفعل فأَثنى القرآن الكريم على هذا الرجل وخلَّد ذكره لأَنّه أخلص لوطنه وساكنيه وعاش همومَ مواطنيه. وأننا أيها المباركون اليوم أمام واجبين: أما الواجب الأول فهو واجب كفائي يتجسد في حرص المسلم على أن يستثمر صوته الذي أتيح له وهو جزء من واجب الإصلاح المنشود لمن يحرص على تحقيق المصالح في نفسه ومجتمعه وينشد الخير والنفع في أمور الدين والدين. وأما الواجب الثاني فهو أن يكون الاختيار للأكفأِ والأمثلِ والأصلح بعيدًا عن كل الاعتبارات العنصرية أو الشخصية قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً . النساء: 58 قال الإمام السعدي تعليقًا على هذه الآية: فالأمانات يدخل فيها أشياءُ كثيرة من أجَلِّها: الولاياتُ الكبيرةُ والصغيرة والمتوسطة الدينيةُ والدنيوية فقد أمر الله أن تؤدى الأماناتُ إلى أهلها بأن يُجعل فيها الأكْفاء لها وكلُّ ولاية لها أكْفاءُ مخصوصون وإن صلاح الأمور بصلاح المتولّين والرؤساء فيها والمدبّرين لها والعاملين عليها فيجب تولية الأمثل فالأمثل فإن صلاح المتولّين للولايات الكبرى والصغرى عنوان صلاح الأمة وضده بضده . ا.ه القواعد الحسان 1/98- 99 بتصرف. ليس للبيع ولا للشراء.. فيا أيها الفاضل: صوتك أمانة ومسؤولية أمانةٌ لا يباع ولا يشترى من أجل دنيا دنية أو مصلحة فردية ومسؤوليةٌ ستسأل عنه يوم القيامة والتفريط فيه خزي وندامة واعلم أن جمهور الفقهاء يرون أن الناخب شاهد وتصويته شهادة بصلاحية شخص أو عدم صلاحيته. ومن ثَمَّ فإنه يجب على الشاهد إذا دعي للتصويت أن يدلي بشهادته ولا يكتمها. وقد اعتبر ابن عباس رضي الله عنهما كتمان الشهادة من أكبر الكبائر لأن الله عز وجل يقول: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه . البقرة: 283 وكان يقول: على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد . وقد اختتمت آية الشهادة بقوله الله تعالى: والله بما تعملون عليم وهذا يعني كما يقول الطبري رحمه الله: بما تعملون في شهادتكم من إقامتها والقيام بها أو كتمانكم إياها عند حاجة من استشهدكم إليها وبغير ذلك من سرائر أعمالكم وعلانيتها عليم يُحصيه عليكم ليجزيَكم بذلك كله جزاءَكم إما خيرا وإما شرا على قدر استحقاقكم . فلنضع أيدينا بأيدي بعضنا فهي فرصة ثمينة إما لنا أو علينا هي لنا متى أدركنا وفهمنا حقيقة الاختيار وهي علينا جميعًا متى أهملنا وفرطنا وقدمنا مصالحنا على مصالح الأمة والدين والوطن. فلا بد أن تَعرف أيها الناخب أن ذمّتك الشرعية وضميرك الوطني يفرض عليك اختيار الأصلح للناس فالبلد بلدنا والمصالح لنا جميعًا فيجب أن نميّز بين الغث والثمين وأن يكون نصب أعيننا قبل كل معيار: صلاح المرشَّح في نفسه وصلاحه الإجتماعي وخبرته وتميّزه في خدمة الناس ورفقه بهم ف إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ . فاتقوا الله رحمكم الله وراقبوه في كل ما تأتون وتذرون وفيما تقولون وتفعلون وفيما تختارون وترشحون. والله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم. وفقنا الله جميعاً ليكون غد الجزائر أكثر ازدهاراً وجمع الله القلوب والعقول على الخير دائماً. اللهم احفظنا واحفظ بلادنا وأمننا وعقيدتنا من كيد الأعداء ودسائس المغرضين وجميع بلدان المسلمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.