قال الله تعالى: ''يا أيُّها الّذين آمنوا اتّقوا اللهَ وقولوا قولاً سديداً يُصلِح لكم أعمالكم ويغفِر لكم ذنوبَكُم ومَن يُطِع اللهَ ورسولَه فقد فاز فوزاً عظيماً . إنّ عرَضنا الأمانة على السّموات والأرض والجبال فَأَبَيْنَ أن يحْمِلنها وأشْفقن منها وحمَلها الإنسانُ إنّه كان ظلوماً جهولاً''. نداء لأهل الإيمان، أي لمَن رضي بالله ربًّا وبالإسلام ديناً وبنبيِّنا ومولانا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم نبيًّا ورسولاً، أن يلتزموا بالتّقوى ثمّ يقولوا قولاً سديداً، إشارة إلى أنّه من علامات وأمارات التّقوى والقول السّديد لأنّ اللِّسان ترجمان القلب وصلاح الأعمال وغفران الذُّنوب. والنّجاح الحقيقي والفوز العظيم يتمثّل في طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وأشارت الآية العظيمة إلى عظيم الأمانة الّتي عُرضت على السّموات والأرض والجبال فأبَيْنَ أن يحمِلنها لثِقلها مع أنّها من أعظم المخلوقات، ومع ذلك حملها الإنسان المسكين الّذي لم يقدِّر حقيقة المسؤولية الملقاة على عاتقه، كثير الجهل لحقيقة ما تحمَّل، كثير الظُلم والتّقصير لما أوكَل لنفسه وجعل في ذِمَّتِه، وهذه المسؤولية عامّة لابدّ أن يستشعر كلّ واحد بحسب منصبه وموقعه كما جاء في الحديث الصحيح الّذي يرويه البخاري من طريق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''كلُّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّتِه، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيّته، والرّجل راع وهو مسؤول عن رعيّته، والمرأة في بيتها راعية وهي مسؤولة عن رعيّتها''. فحفظ الأمانة من كمال الإيمان، فقد روى أحمد قول أنس بن مالك رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن قال: ''لا إيمان لمَن لا أمانة له ولا دين لمَن لا عَهْد له''، والأمانة هي وضع الشيء في المكان الجدير به كما جاء في الحديث الّذي يرويه مسلم من طريق أبي ذَرّ رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله، ألاَ تستعملني؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا ذرّ إنّها أمانة، وإنّها يومَ القيامة خِزيٌّ ونَدامة إلاّ مَن أدّاها بحقّها''. والقرآن الكريم يأمرنا أن نؤدّي الأمانات إلى أهلها، قال تعالى: ''إنّ اللهَ يأمُركم أن تُؤدُّوا الأمانات إلى أهلها''، بل وتوعَّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مَن خان المسؤولية، فقد روى الحاكم قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن وَلِيّ من زمر المسلمين شيئاً فأمَّر أحداً محاباةً فعليه لعنة الله''، بل من صفات أهل النِّفاق عدم الوفاء بالعهد وخيانة الأمانة، روى الترمذي قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتُمن خان''، بل إنّ خيانة الأمانة هو من خيانة الله ورسوله، قال تعالى: ''يا أيُّها الّذين آمنوا لا تخونوا اللهَ والرّسول وتخونوا أماناتِكم وأنتُم تعلمون''. وإنّ من صفات الإيمان الصّادق رعاية أمر العهود والأمانات، قال تعالى: ''والّذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون''، لذا جزاء مَن خان الأمانة عظيم يوم القيامة، روى أحمد قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''يُؤتى بالعبد يوم القيامة فيُقال: أدِّ أمانتك، فيقول: أي ربّ كيف وقد ذهبت الدُّنيا؟! فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية وتُمثّل له أمانته كهيئته يوم دُفعَت إليه فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتّى يُدركها، فيحملها على منكبيه، حتّى إذا ظنّ أنّه خارجٌ زلَّت عن منكبيه فهو يهوي بها أبد الآبدين'' والعياذ بالله. فما أحوجنا أن نستشعر عظمها. *خطيب مسجد ابن باديس - العاصمة