بقلم: أحمد برقاوي تعتبر النخبة الثقافية على اختلاف مشاربها عقل المجتمع وروحه وتمثل في أحيان كثيرة ضميره. إنها جمهور من المفكرين والفلاسفة والشعراء والروائيين والمسرحيين وكثير من كتاب الصحافة ونقاد الفكر والأدب والحياة اليومية. وتنهض النخبة الثقافية بالكتابة عن العالم كما تراه تقول كلاماً معبراً عن وعيها وانحيازها ومعرفتها وعواطفها وجمالياتها وفكرها. وهي تكتب وتنشر كي تُقرأ. وتنحصر شهوة حضورها باكتساب شهرة محمودة عند الجمهور سواء حصلت عليها أو لم تحصل. أنا لا أتحدث عمن يسعى للشهرة ويقصد امتلاكها بل عمن يحقق الحضور ثمرة لشغله في الكتابة. هذا يعني بأن علاقة ترابطية تقوم بين الجمهور والنخبة الثقافية بالمعنى الذي أشرت إليه لكنها علاقة معقدة نوعاً ما. فالجمهور بعامة أصدق من النخبة في مواقفه من الحياة وضميره أرهف وأثبت في آرائه. لكن ثقافته أقل ووعيه الجمالي أضعف ومعرفته أدنى. ويقيم علاقة اعتراف بالنخبة فهو يعترف في سلوكه مع النخبة بأنها مصدر ضروري لوعيه الفكري والجمالي ولهذا يكن لها الاحترام اللازم لبقاء هذه العلاقة سارية على هذا النحو. وقد يعاديها إذا ما ظهر منها مواقف تخالف مصالحها وآمالها ومواقفها. فيما النخبة الفكرية أعمق تفكيراً وفهماً. وتدرك أهمية الجمهور وإرادته. لكنها غالباً ما تكون ذات عقل بارد وذات وعي مترفع واعترافها بالجمهور ليس كاعتراف الجمهور بها بل اعتراف يحقق لها شهرة حضورها من جهة ونشر أفكارها من جهة ثانية وهي ذات حساسية خاصة مرتبطة غالباً بطبيعة موقف الجمهور منها. لكنها من جهة ثانية تدرك خطره عليها إن هو مَس معتقداتها المتوارثة والتي أخذت طابع القداسة أو شبه القداسة. والجمهور في لحظات التحولات الكبرى وفاعليته فيها بوصفه الإرادة القادرة على التضحية سرعان ما يسأل عن النخبة إن هي غابت عنه ويعنفها إن هي عارضته. ففي لحظات التحولات الكبرى في المجتمع يجد الجميع أنفسهم أمام خيار اتخاذ الموقف. وهنا تبدو النخبة للجمهور الذي يخوض معركته ضرورية للوقوف معه ومده بقوة معنوية يحتاج إليها لتقوية فاعليته العفوية أو شبه العفوية. لكن للنخبة وضعها المعقد وحساباتها الذاتية وبنيتها النفسية المترددة وأيديولوجياتها المختلفة. في علاقة النخبة مع الجمهور تمشي النخبة على حد السيف فهي من جهة تريد أن تحافظ على مكانتها لدى الجمهور وهي من جهة ثانية ولأنها تفكر بعقلها وتميل إلى المواقف الموضوعية والانطلاق من المعرفة في الفهم فإنها لا تستطيع أن تنطلق من فكرة إرضاء الجمهور. فالجمهور في لحظة توقده لا يستطيع تحمل ما يخالف أو يناقض رؤيته للتاريخ. لكن النخبة المنتمية ذات الضمير الأخلاقي والوعي العقلاني لا تستطيع أن تفعل فكرياً إرضاءً للجمهور على حساب ما تراه موضوعياً ويجب ألا تنطلق من مبدأ إرضاء الجمهور الذي سيعترف بالنهاية بالفرق بين العاطفة الجمهورية والعقلانية النخبوية. وهناك فرق بين النخبة المثقفة التي ترى في الشأن العام موضوعاً لتفكيرها وبين النخبة الأكاديمية التي تهجس بالمعرفة من أجل المعرفة فقط وتتخذ مكاناً قصياً من مشكلات الناس لكنها تزود المثقف بالمعرفة الضرورية لفهم مشكلات الناس وتفسيرها. إلا إذا كان المثقف بالأصل ينتمي إلى الحقل الأكاديمي. فلا يحسبن أحد من الجمهور أن المثقف الخالي من المعرفة في العلوم الإنسانية والفلسفية بخاصة قادر على القيام بالدور الذي أشرت إليه آنفاً. ولهذا ليس كل من يكتب ينتمي بالضرورة إلى النخبة المثقفة وهذا أمر تشهد عليه موضوعات الكتابة التي لا قيمة لها. ولأن الصحافة هي الكتاب اليومي للقارئ فإنها تحولت إلى أداة الكتاب من جميع الأنواع بلا استثناء ومن هنا تبرز أهمية النخبة الثقافية بالنسبة للصحافة فجمهور الصحافة واسع جداً أوسع بكثير من جمهور المجلة متنوعة الموضوعات ناهيك عن جمهور المجلات المتخصصة. غير أن جميع صور المجلات ذات أهمية فهي منبر ضروري ليس لإبداع النخبة الثقافية فقط وإنما للجمهور المثقف والمتعلم والتائق إلى المعرفة. فلقد كان عدد كبير من النخبة الثقافية العربية متحلقاً حول مجلة دبي الثقافية والتي كانت كتاباً شهرياً بالنسبة للجمهور العربي. ولقد جاء حين من الدهر كانت فيه مجلة الشعر المصرية التي كان من رؤساء تحريرها الذين تعاقبوا عليها الدكتور عبدالقادر القط منبراً لكل الشعراء الذين اشتهروا في ما بعد وكانت مجلة المجلة والفكر المعاصر والسياسة الدولية صوت المفكرين والأدباء والفلاسفة وعلماء المصريين. وعندي بأن كل نوع من أنواع النخبة الثقافية في كل بلد تحتاج إلى لسان حال فالجمهور هو الآخر متنوع الاهتمامات ويحتاج إلى من يحقق له حاجاته الثقافية.