اعتاد الفلسطينيون على عقوبات الاحتلال القاسية بحق الأسرى في سجونه فلم يبق بيت على امتداد مساحة الأرض الفلسطينية إلا واكتوى بنار الأسر بيد أنّ الخارج عن المألوف وما لا يمكن لعاقل تصوّره واستيعابه واستساغته أن تتخطى هذه العقوبات الأسرى في مدافن الأحياء لتطال الشهداء في مرقد الأموات!. تتجلّى هذه الحقيقة بوضوح فيما باتت تُعرف ب مقابر الأرقام .. مقابر جماعية أنشأها الاحتلال قبل سنوات طويلة كي يحتجز فيها رفات وأشلاء لفلسطينيين استشهدوا بنيرانه سواء في مواجهات معه أو تمّ اغتيالهم على يد وحداته الخاصة المعروفة ب وحدات المستعربين . ومنذ إنشائها تعتبر هذه المقابر منطقة عسكرية يحظر الدخول إليها أو حتى مجرد الاقتراب منها. وفيما يطالب الفلسطينيون بإطلاق سراح أسراهم في سجون الاحتلال فإنّ سلطات الاحتلال ابتدعت أسلوباً قمعياً يتجدّد مع كل هبة شعبية فلسطينية يتمثل بأسْر الشهداء!!.. فتحتجز منذ أكثر من عامين جثامين نحو 15 شهيداً في ثلاجاتها فضلاً عن أكثر من 150 آخرين دُفنوا في مقابر الأرقام قبل عدة سنوات الأمر الذي يخالف كل الأعراف والقوانين الدولية. عالم مجهول وفيما لا يوجد تاريخ يوضح متى أنشئت أول مقبرة للأرقام دشّنت أول عملية دفن جماعي لفلسطينيين قضوا على أيدي قوات الاحتلال خلال حرب العام 1948. وأنشئت بشكل عشوائي قبل أن تصبح رسمية وأكثر تنظيماً ويتم إخضاعها لإشراف مباشر من جيش الاحتلال بعد حرب العام 1967 لتزداد عمليات الدفن الجماعي للضحايا في حرب العام 1982 إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان مع الارتفاع الملحوظ في أعداد الضحايا الذين وقعوا في أسر قوات الاحتلال. وحتى بعد مرور سبعين عاماً على إنشائها لم يكشف سوى عن أربع من هذه المقابر غير أن جهات فلسطينية رجّحت وجود عدد آخر غير معلوم ويخضع لرقابة مباشرة من جيش الاحتلال. ولا يظهر في هذه المقابر أية أحجار أو شواهد وكل ما يمكن مشاهدته لوحات من الصفيح طبعت عليها أرقام محاها الزمن. وتطلق عليها سلطات الاحتلال مقابر قتلى الأعداء في إشارة للضحايا من الفلسطينيين والعرب المدفونين فيها. وتعد مقبرة جسر بنات يعقوب وتتموضع عند الحدود الفلسطينية مع كل من سوريا ولبنان أكبرها وتضم رفات نحو 500 شهيد وهناك مقبرة ريفيديم على مقربة من غور الأردن و شحيطة شمال مدينة طبريا الفلسطينية المحتلة ولا يعلم أحد عدد الشهداء المدفونين فيهما. أسرى شهداء لا تزال سلطات الاحتلال تحتجز رفات أكثر من 150 شهيداً فلسطينياً ارتقوا في أزمنة مختلفة وترفض تسليمهم إلى ذويهم وهؤلاء محتجزون في مقابر الأرقام منذ استشهادهم وفي أوضاع مهينة دينياً وأخلاقياً. حيث تخضع هذه المقابر لرقابة عسكرية علماً بأن القوانين الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة تمنع احتجاز رفات الشهداء وتلزم دولة الاحتلال بتسليمهم إلى ذويهم حيث يشكّل احتجاز جثامين هؤلاء الشهداء عقاباً مجحفاً بحق الإنسانية ولا مثيل له في التاريخ.