رحلة كر وفر في عالم الاضطرابات السياسية الدولية هل ترتفع أسعار النفط إلى 100دولار؟ وسط التشديد الأمريكي على حجب صادرات النفط الإيراني كاملة عن السوق العالمي وتزايد الاضطرابات السياسية في كل من ليبيا وفنزويلا تتخوف مصارف ومؤسسات عالمية بحثية منها ميريل لينش ومورغان ستانلي من حدوث اختناق في معادلة العرض والطلب النفطي ترتفع بموجبها الأسعار إلى 100 دولار للبرميل خلال العام المقبل. وتوقعت أوبك أمس الأربعاء انخفاض الطلب العالمي على خامها في العام المقبل مع تباطؤ نمو الاستهلاك وضخ منافسيها المزيد من الإمدادات بما يشير إلى عودة الفائض في السوق رغم الاتفاق الذي قادته المنظمة لكبح الإمدادات. وفي أول توقعاتها لعام 2019 في تقريرها الشهري قالت منظمة البلدان المصدرة للبترول إن العالم سيحتاج إلى 32.18 مليون برميل يومياً من الخام من دولها الأعضاء البالغ عددهم 15 عضواً العام القادم بانخفاض 760 ألف برميل يومياً عن العام الحالي. وذكرت أوبك أن إنتاجها النفطي في جوان ارتفع إلى 32.33 مليون برميل يومياً بما يفوق توقعات الطلب. وضخت السعودية المزيد من النفط في ضوء مراعاتها لدعوات الولاياتالمتحدة وغيرها من المستهلكين إلى تعويض النقص في إمدادات بلدان أخرى وتهدئة الأسعار الآخذة في الصعود. وحتى الآن تعلن الشركات الأوروبية والآسيوية عن وقف شركاتها شراء النفط الإيراني امتثالاً لقرار الحظر الأميركي وتتراوح صادرات إيران النفطية بين 2.4 إلى 2.6 مليون برميل يومياً وقد تشابه صدمة حظر النفط الإيراني من ناحية الأسعار نفس حالة الحظر العربي للنفط في 1973 مع فارق أن النفط وقتها كان مصدره الأساسي دول الخليج العربي وليبيا والعراق. وتواجه الامدادات إلى جانب الحظر الإيراني اختناقات أخرى من بينها الحرب في ليبيا التي أدت إلى عرقلة قوات برلمان طبرق بقيادة خليفة حفتر شحن حاويات النفط من الموانئ الليبية إلى تعطيل 850 ألف برميل يومياً من صادرات نفط البلاد. وفي فنزويلا تتوقع نشرة أويل برايس أن تقود الاضطرابات السياسية إلى انخفاض إنتاج النفط الفنزويلي بحوالى 550 ألف برميل يومياً خلال العام الجاري. وفي مقابل هذا الانخفاض الكبير في الإمدادات النفطية فإن الطاقات الفائضة التي يمكن لمنظمة أوبك وروسيا أن تعوض بها فاقد الإمدادات لا تفوق 3.3 ملايين برميل يومياً وذلك حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية. ولكن حتى هذا الفائض من الصعب وصوله للسوق خلال النصف الثاني من العام الجاري. من هذا المنطلق يرى محللو النفط في مصارف استثمارية أن الأسعار مرشحة للارتفاع بمعدلات كبيرة فوق 80 دولاراً خلال العام الجاري وربما فوق 100 دولار للبرميل خلال العام المقبل. توقعات الأسعار في هذا الصدد حذر بنك أميركا ميريل لينش من أن أسعار النفط الخام قد تتجاوز مستوى 120 دولاراً للبرميل إذا دخلت العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني حيز التنفيذ في نوفمبرالمقبل فيما أجرى مصرف باركليز البريطاني مراجعة لتوقعاته رفع بموجبها متوسط الأسعار خلال العام الجاري. وتوقع مصرف مورغان ستانلي ارتفاع النفط إلى 85 دولاراً للبرميل في الأشهر القليلة المقبلة وذلك وسط احتمال انضمام الاتحاد الأوروبي وحتى الهند إلى العقوبات ضد إيران خوفاً من انتقام واشنطن ضمن ما يعرف بالعقوبات الثانوية التي تحرم الدول والشركات التي تتعامل تجارياً واقتصادياً مع إيران من السوق الأمريكي. أما مؤسسة سانفورد سي بيرنستين آند كو الأمريكية فقد حذرت في تقرير الأسبوع الماضي من أن أسعار النفط قد ترتفع في العقد المقبل فوق مستوى 147 دولاراً للبرميل التي بلغتها في عام 2008. وقالت المؤسسة إن الصناعة النفطية لم تستثمر خلال السنوات الماضية في الكشوفات النفطية وبناء طاقات جديدة بسبب الأسعار المنخفضة واهتمامها أكثر بسعر السهم والمستثمرين في السوق. وأشارت إلى أن هذا العامل يتواكب مع النمو السكاني السريع وارتفاع مستوى المعيشة في آسيا وبالتالي فمن المتوقع أن يشهد الطلب النفطي العالمي في نهاية العام الجاري ارتفاعاً إلى 100.29 مليون برميل يومياً. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب النفطي إلى 102.01 مليون برميل يومياً في العام المقبل وذلك وفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وفي مقابل هذا الطلب الكبير لا يوجد ارتفاع يذكر في إنتاج طاقات جديدة. وحتى فائض الإنتاج الاحتياطي في السعودية تقدره وكالة الطاقة الدولية بحوالى 2.2 مليون برميل بدلاً من التقديرات المرتفعة السابقة بحوالى 2.5 مليون برميل. هذا التباين بين الطلب النفطي العالمي وبين الاستهلاك المتوقع هو الذي حدا بمؤسسة سانفورد سي بيرنستين آند كو أن تتوقع ارتفاع الأسعار خلال العقد المقبل فوق 150 دولاراً للبرميل. وحتى السعودية نفسها التي يعول عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خفض أسعار النفط ومساعدته في حملة الحزب الجمهوري الانتخابية في أكتوبر تتوقع ارتفاع أسعار النفط فوق 80 دولاراً. وقالت ثلاثة مصادر في صناعة النفط لرويترز في وقت سابق إن السعودية يسرها أن ترى سعر النفط يرتفع إلى 80 دولارا أو حتى 100 دولار للبرميل في مؤشر على أن الرياض ربما لا ترفع كثيراً من إنتاجها النفطي أي بأكثر من مليون برميل يومياً وليس بمليونين كما طلب ترامب. ودخلت أسعار النفط عالميا في مرحلة ركود منذ أزمة المال العالمية في عام 2007 ولكنها بدأت في دورة الارتفاع خلال عام 2016 مع بلوغ الإنتاج اليومي نحو 96.55 مليون برميل. واستحوذت منطقة آسيا والباسيفيك على 34.8 منه وأميركا الشمالية على 24.7 . وذلك حسب تقرير شركة بريتش بتروليوم السنوي. فضلا عن شكوك حول استمرار إنتاج النفط الصخري خلال العقد المقبل بنفس المستويات الحالية التي رفعت إنتاج أمريكا إلى 11 مليون برميل يوميا. وفي لندن ارتفعت أسعار النفط مع تنامي المخاوف من نقص محتمل للإمدادات. وقاد خام برنت الاتجاه الصعودي بينما من المقرر أن يبدأ المئات من العاملين في قطاع النفط في النرويج إضراباً عن العمل. وصعد خام برنت 55 سنتاً بما يعادل 0.7 إلى 78.62 دولاراً للبرميل في التعاملات الصباحية بلندن بعد أن صعد 1.2 يوم الاثنين. وحسب رويترز ارتفعت العقود الآجلة للخام الأمريكي الخفيف 47 سنتاً أو 0.7 إلى 74.32 دولاراً. ورفض مئات العاملين في منصات حفر بحرية للغاز والنفط في النرويج خطة للأجور في خطوة من قد تؤثر على إنتاج حقل واحد على الأقل. ويضاف التوقف المحتمل لمشاكل يعاني منها منتجون آخرون في كل من نيجيريا والغابون.