إعداد: كريم مادي رمز فريق الترجي مصطفى سريدي.. تيوا مدينة قالمة حديثنا عن جيل الستينيات يتواصل فبعد أن تعرفنا في عدد اول أمس عن مسيرة الراحل مصطفى زيتوني سنتعرف في حلقة اليوم عن ابن مدينة قالمة مصطفى سريدي المدعو تيوا التي تعني عند سكان منطقة قالمة الطفل المحبوب. من لا يعرف مصطقى سريدي أكيد لا يعرف ترجي قالمة ومن لا يعرف مدينة قالمة ترى من هو سريدي وكيف كانت قصته مع كرة القدم وقبل أن نباشر موضوعنا هذا سنفاجئكم عن ميزة هذا اللاعب تتمثل في روحه الرياضية الفريدة لكن للأسف التاريخ لم يعترف بذلك ولم يسجلها في أرشيفه وهو ما جعل سريدي يقول لماذا حرموني من لقب أنا أولى به من عبد الحميد صالحي . سريدي ولد قبل أربع سنوات من مجازر 8 ماي إذا قادتك الطريق إلى مدينة قالمة الجميلة ننصحكم بالبحث عن المنزل الذي يقع في 12 نهج الأمير عبد القادر ففي هذا المنزل يقطن أسطورة كرة القدم القالمية مصطفى سريدي أو كما يعرف باسم تيوة . ولد سريدي بتاريح 18 افريل 1941 وهي السنوات التي كانت فيها الجزائر على سفيح ساخن ففور انتهاء الحرب العالمية الثانية وكما نعلم جميعا طالب الجزائريون الانفصال عن فرنسا لكن المستعمر الغاشم قال لا يجب على الجزائريين لأن يعيشوا تحت الذل والإهانة الأمر الذي جعل العديد من سكان الشرق الجزائري خاصة في مدن قالمة وخراطة وسطيف الخروج إلى الشوارع مما كلف الجزائريين استشهاد حوالي 45 ألف جزائري وكان أن يضاف إلى هذا الرقم اسم الفتى مصطفى سريدي فرغم أن سنه كان يقدر بأربع سنوات وشهر واحد إلا أن ذلك لم يمنع للفرنسيين من إشهار رشاشاتهم في وجه هذا الصبي بعد أن وجدوه يلهو أمام بيت والديه لكن إرادة الخالق أرادت أن له يواصل العيش بين كنف والديه يحمل بعد ذلك الراية الوطنية على صدره وهو أكبر حلم كان يراود سريدي منذ أن عرف معنى الحياة. أيام سريدي الأولى مع الساحرة بداية مداعبة الكرة لأول مرة بين الأزقة وشوارع مدينة قالمة لكن عائلته وبعد اندلاع الثورة التحريرية أتنقلت إلى مدينة عنابة حينها كان يبلغ سريدي من العمر 15 سنة. امضي سريدي على أول إجازة له في فريق النادي الرياضي العنابي وعمره 17 سنة لكن قرار جبهة التحرير الوطني بتجميد جميع النشاطات الرياضية جعل ابن قالمة يرعم على ترك الكرة وقد فكر حينا بالالتحاق بالمجاهدين البواسل لكن أحد أفراد عائلته طلب منه البقاء بجانب أفراد عائلته كونه كان الابن الأكبر في العائلة وهو الذي كان يعيل أسرته خاصة وأن والده رحمه الله كان يعاني من مرض مزمن ولنتصور جميعا كيف سيكون مصير أب سريدي في حال التحاق ابنه بالثورة وهو الذي كان يعيله. === من شباب هيليوبوليس إلى ترجي قالمة سريدي في فريق مسقط الرئيس الراحل بومدين فور بزوغ شمس الحرية عاد سريدي إلى معشوقته كرة القدم ليداعبها مجددا لكن هذه المرة في فريق شباب هيليو بوليس علما أن هذه المدينة هي موطن الرئيس الراحل هواري بومدين. خاض مصطفى سريدي أول مباراة رسمية له أمام نادي سوق أهراس وهو اللقاء الذي بدأ الجمهور الرياضي يكتشفه ومع مرور المقابلات بات سريدي على لسان الجميع خاصة بناحية الشرق الجزائري. سنة واحدة في ترجي قالمة كانت كافية ليسرق هذا اللاعب الذي كان يبلغ من العمر 22 سنة كل الأضواء حيث بات واحد من بين اللاعبين الذي يتحدث عنهم الجميع كيف لا وهو اللاعب أوهبه المولى عز وجل موهبة كروية من النادر أن نجدها عند لاعبي جيله. شكل انتقاله إلى ترجي قالمة بداية حقيقية لمصطفى سريدي في عالم كرة القدم حيث بات من بين احسن اللاعبين إن لم نقل نجم الترجي القالمي الأول فكان يصنع بفضل قديمه الساحرتين لمحات كروية جميلة من النادر على لاعبي زمانه أن يصنعونها فكبر في حب القالميين وبدون مقدمات تعدت شهرته حدود الشرق الجزائري فبات من بين اللاعبين الأكثر طلبا في النوادي الجزائرية الكبيرة في تلك الفترة نذكر منها على وجه الخصوص اتحاد عنابة المتوج بثاني بطولة للجزائر لكن بالرغم من العروض التي كانت تصله إلا أنه فضل البقاء في فريق الأسود والأبيض ترجي قالمة. == من فجر الاستقلال إلى 1976 14 سنة في ترجي قالمة دام بقاء سريدي في فريق الترجي 14 سنة حيث لم يغادر الفريق إلا بعد اعتزاله الكرة نهائية في نهاية موسم 1975/1976 بعد أن قاد الترجي إلى بطولة القسم الوطني الأول بعد الفوز التاريخي على الجار اتحاد عين البيضاء في مباراة فاصلة من اجل الصعود إلى الدرجة الأولى حينها راح يرمي سريدي بحذائه وبقميص الترجي إلى أنصار الترجي وهم يرددون بحياة هذا اللاعب الكبير بعد 14 سنة من العطاء لكن للأسف لم يحالفه الحظ ولو مرة واحدة من الفوز بلقب وطني رغم أن الترجي أدى مواسم رائعة خاصة في نهاية الستينيات. 46 مباراة دولية لسريدي أجملها أمام منتخب مالي سريدي مدربا لترجي قالمة في سن ال22 اشرف سريدي على ترجي قالمة وهو في سن ال22 كان ذلك في موسم 1964/1965 ويرجع الفضل في ذلك إلى المدرب اليوغسلافي يانكوفيتش الذي اشرف على ترجي قالمة بعد الاستقلال. لعب مصطفى سريدي مع المنتخب الوطني 46 مباراة أولها كانت أمام المنتخب الألباني عام 1964 بملعب 20 أوت ليخوض بعدها سريدي 43 مباراة ومن بين اللقاءات الجميلة التي لعبها كانت أمام مالي في مباراة العودة في تصفيات كاس أمم إفريقيا (إثيوبيا 1968) وانتهت بفوز الجزائر بهدف لصفر. وعلى ذكر نهائيات كاس أمم إفريقيا التي جرت بإثيوبيا عام 1968 قدم سريدي لمحات كروية رائعة نالت رضا الأفارقة حيث اختير سريدي إلى جانب لالماس وكالام من بين احسن اللاعبين في الدورة. أول من وجه الدعوة لسريدي لحمله الألوان الوطنية كان المدرب إسماعيل خباطو وهذا في عام 1963 أي فور التحاق سريدي بترجي قالمة. لعب سريدي للمنتخب الوطني مع العديد من المدربين نذكر منهم سعيد عمارة واحمد أعراب والفرنسي لوديك والروماني ماكري لكن أحسن من اشرف عليه في المنتخب الوطني في نظر سريدي هو الثنائي لوديك وسعيد عمارة. الراحل هواري بومدين حرم سريدي من الاحتراف مباراة سانتوس وقبلة بيلي في عام 1969 واستعدادا لتصفيات كاس أمم إفريقيا التي جرت بالسودان خاض المنتخب الوطني مباراة ودية أمام نادي سانتوس البرازيلي الذي كان يلعب له الجوهرة السوداء بيلي وهو ثاني لقاء يخوضه هذا اللاعب الكبير بالجزائر بعد مباراة الانقلاب الرئاسي 19 جوان 1965. تسعون دقيقة من اللعب كانت كافية لابن مدينة قالمة بشل حركات الأسطورة بيلي. ما أن أعلن الحكم عن صافرة النهائية بتعادل الفريقين هدف لمثله حتى تقدم إليه بيلي وراح يقبل جبين اللاعب سريدي اعترافا له بما قام به خلال المباراة ولم يكتف بيلي بتقبيل جبين سريدي بل راح يقدم له قميصه الشخصي الذي يحمل رقم 10 وهو القميص الذي لا يزال سريدي يحتفظ به إلى حد اللحظة وهو يعتبره احسن هدية حصل عليها خلال مسيرته الكروية. ترى هل توصل سريدي بعروض احترافية من نوادي أجنبية؟. سؤال كنت قد طرحته على المعني بالأمر شخصيا فكان جواب سريدي ما يلي نعم تلقيت العديد من العروض واهم عرض كان من نادي غرونوبل الفرنسي عام 1966 حيث كان هذا الفريق ينتمي إلى الدرجة الأولى للبطولة الفرنسية . ويضيف يقول سريدي ذات يوم قدم رئيس نادي غرونوبل إلى مدينة عناية وكانت فحوى الزيارة الالتقاء حيث عرض علي الانتقال إلى فريقه فرحبت بالفكرة خاصة وأنني كنت ابلغ من العمر 24 سنة وكنت على يقين أنني سأثبت مكانتي في البطولة الفرنسية . لكن بعد أن نقلت الخبر إلى إدارة النادي رحبت هي الأخرى بالفكرة لكن في اليوم الموالي أتفاجأ برفض رئيس الفريق الفكرة وحين استفسرت عن السبب رد عليّ ذات الرئيس أن رئيس الجمهورية السيد هواري بومدين الذي كان يشغل رئيسا شرفيا لترجي قالمة يعارض فكرة احترافي بفرنسا فوت على نفسي فرصة الاحتراف . وبما أن القرار صدر من القاضي الأول في البلاد الراحل هواري بومدين تأكد له أن لا مجال للتفكير مستقبلا في الاحتراف؟ وهو الذي حدث حيث بقي سريدي حبيس ترجي قالمة إلى أن اعتزل كما سبق الذكر في عام 1976 حين بلوغه سن ال35 وقبل ذلك بأربع سنوات لعب سريدي آخر مباراة دولية مع المنتخب الوطني الجزائري. 18 سنة دون إنذار من الاعتزال إلى التدريب إلى التسيير إلى الاختفاء علاقة الغرام التي كانت تربط سريدي برياضة كرة القدم جعلته يبقى مرتبطا بهذه الرياضة حتى بعد اعتزاله حيث درب ترجي قالمة أكثر من مرة بعدها أسندت له مهمة رئاسة النادي ويرجع له الفضل في النتائج الكبيرة التي حققها الفريق القالمي خاصة في نهاية الثمانيات حيث وصل إلى الدور نصف النهائي لكأس الجزائر وبعد أن أحس أن هناك من يريد التشويش عليه وعلى عمله قرر ترك النادي الذي أحبه وبرحيله عن ترجي قالمة هاهو هذا الأخير يعاني الأمرين في قسم لا يليق بمقامه... الثاني هواة. يحمل مصطفى سريدي في سجله رقم قياسي ويتمثل في نظافة مساره الكروي حيث لم يحصل على أي إنذار طيلة حياته الكروية الممتدة ل18 سنة. كن سريدي يتأسف عن تجاهل رقمه القياسي ويعتبره أحسن من رقم صالحي كون المسار الكروي لهذا الأخير قصير جدا. سريدي لا يزال يتساءل لما لا يعترفوا برقمي على أنني أنقى لاعب ويفضلون غيري عبد الحميد صالحي؟ .