في السابق كان الزواج والتحضير له يتطلب وقتا وجهدا كبيرين، وعلى رأي المثل القائل: »زواج ليلة تدبارو عام«، وهو ما يعني أن الاستعداد للزواج أمر أصعب من الزواج نفسه، لكنّ هذه المقاييس لابدّ أنها تغيرت في وقتنا الحالي، وصار المواطنون يستعجلون حتى في الزواج، ويحكمون على زواجهم بالتالي بالفشل المبكر لينطبق عليهم المثل الجزائري القائل :»في الصيف القاتو، وفي الشتاء البوقاتو« أي العرس في الصيف والمحامي والقضاء في الشتاء. إنّ في التدبير للزواج أو التحضير له والتفكير مطولا قبل الإقدام على هذه الخطوة التي تعتبر مصيرية في حياة كل مقبل عليها، إنّ في كلّ ذلك حكمة كان يعلمها الذين سبقونا والذين أدركوا أن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، وفي الزواج بالأخص، لكننا اليوم خالفنا العادة، فصار الزواج بالنسبة للبعض لا يتطلب أكثر من اختيار الزوجة ثم الخطبة ثم العرس وانتهى الأمر، وفي أغلب الأحيان ينتهي الزواج بالفشل، خاصّة إن لم يكن الزوجان يعرفان بعضهما بالقدر الكافي، فيستفيقان بعد مدة ويجدان نفسيهما يدخلان في مشاكل وتعقيدات لا بداية ولا نهاية لها إلا بالطلاق، فلا تمر سنة، وأحيانا أقل من ذلك إلا وتجدهما قد قررا الانفصال، وهو ما يبرر اليوم حالات الانفصال التي ارتفعت بشكل رهيب وتصل إلى 41 ألف حالة في عام 2009، نصفها »طلاق مبكر«، لتصبح قضايا الطلاق من بين أكثر القضايا التي تتكرر في أروقة المحاكم. هذا ما وقع لسمير، والذي بلغ سن الثلاثين من العمر، ولم يكن يفكر إلاّ في العمل، أمّا الزواج فقد كان آخر اهتماماته، وعندما قرر أن يرتبط لم يفكر كثيرا، واختار فتاة كانت تعمل معه، جميلة ومؤدبة وذات أخلاق، أو على الأقل هذا ما كان يعتقده قبل أن يتزوجها بعد ثلاثة أشهر من اتخاذه للقرار، حيث تزوجها واكتشف متأخرا أنّ تلك الصفات التي أعجبته فيها لم تكن سوى قناعا استعملته للإطاحة به، ونجحت في ذلك بسهولة كبيرة، خاصّة وأنّ سمير لم يكن متفطنا للحيل التي تستعملها بعض البنات وقدرتهن العجيبة على التمثيل، إلاّ بعد أن لحقته سمعتها السيئة، وأخبره البعض عن ماضي الفتاة التي تزوجها، ولما صارحها بالأمر ادعت أنها »تغيرت« وأنها صارت فتاة ثانية الآن وأنها »تابت« عن كل شيء، لكنه لم يغفر لها كذبها عليه، وقام بالانفصال عنها بعد ثلاثة أشهر من الزواج، قبل أن يقرر، إن فكر في الزواج مرّة ثانية أن يتمهل ويحسن اختيار شريكة حياته والتي يستطيع أن يمضي معها بقية حياته. وتختلف أسباب الانفصال بين الأزواج، أقلها ألاّ يحدث التفاهم بين الزوجين، فسعاد التي بلغت سن الثلاثين من العمر، كانت متسرعة في البحث عن زوج خوفا من العنوسة، فارتبطت بأول رجل طرق باب بيتهم، وكان يبدو رجلا طيبا وله كل المواصفات اللازمة، فلم تتردد سعاد في القبول وطالبته بأن يعجل في الزواج، ربما كانت تخشى أن يحدث أمرٌ ما يعطل ارتباطهما، ففعل وتزوجا بعد شهرين منذ اللقاء الأول بينهما، ثم بدأت سعاد تحسّ بفداحة الخطأ الذي ارتكبته، فكان كل شيء يبعدها عن ذلك الزوج، فلم يكن لهما لا تفكير واحد ولا رؤية واحدة، وكانا في بيت الزوجية وكأنهما غريبان عن بعضيهما، إلى أن قررا الانفصال عن بعضيهما واكتشفت سعاد أنّ العنوسة أفضل بكثير من أن ترتبط بشخص لا تعرفه، قد يسبب لها معاناة وألماً كبيرين، وأنّ الزواج ليس بالسهولة التي حسبتها. وهو ما حصل لفريد كذلك، الشاب صاحب 23 سنة، والذي وبما أن كل الوسائل المادية، على الأقل، كانت متوفرة أمامه للزواج، فإنه قرر أن يقدم على الخطوة، دون حتى أن يكون قادرا على تحمل المسؤولية، وهو ما تفطن له بعد مدة ستة أشهر من زواجه، حيث لم يقدر على الاعتياد على نمط الحياة التي يجب أن يسير عليها الرجل المتزوج، فلم يستطع التخلي عن السهرات التي كان يمضيها مع أصحابه، ولا على الغياب الطويل عن البيت، في رحلاته الدائمة والتي لا تنتهي، ولا شيء من ذلك، ووجد نفسه في النهاية مضطرا إلى الانفصال عن زوجته بعدما سئم عبء المسؤولية، وقرر ألاّ يتزوج مرة ثانية قبل سن الثلاثين.