تفشت ظاهرة الزواج العرفي أو ما يطلق عليه تسمية الزواج بالفاتحة في السنوات الأخيرة، وعرفت انتشارا كبيرا في مجتمعنا، حيث يكتفي العديد من المقبلين على الزواج بعقد القران بقراءة الفاتحة من قبل الإمام دون اللجوء إلى الجهات الرسمية لتوثيق هذا الزواج، وتبقى الأسباب غير مقنعة، خاصة وأن عواقبها اللامدروسة قد تكون وخيمة على المرأة وهدرا كاملا لحقوقها. لا يختلف اثنان في أن الزواج بالفاتحة يتوفر فيه عنصر الإشهاد والإعلان ومستوف لأركان الزواج طبقا لتعاليم الدين الإسلامي، لكنه كان كذلك في زمن كان ينعدم فيه التوثيق وتحكم فيه الأعراف، إلا أن توثيق الزواج أصبح اليوم أكثر من ضرورة في مجتمعنا الذي عرف عدة تحولات اجتماعية واقتصادية، وفي زمن تدنت فيه الأخلاق وتغيرت القيم على حد تعبير العديد من المواطنين. وبما أن الزواج هو عقد رضائي يتم بين الرجل والمرأة على الوجه الشرعي، ومن أهدافه تكوين أسرة أساسها المودة والرحمة والمحافظة على الأنساب، فإن المادة الرابعة من قانون الأسرة، وكذا المادة 18 التي تنص على أن عقد الزواج يتم أمام الموثق أو أمام موظف مؤهل قانونا، مع مراعاة شروط وأركان الزواج، إلا أن العديد من المقبلين على الزواج حاليا يتجاوزون هذا القانون، ويلجؤون بالمقابل إلى عقد القران، كما يقول عامة الناس، بمأدبة طعام وزغاريد وإمام دون توثيقه في الجهات الرسمية، وفي هذا السياق يقر نفس القانون بأن زواج الفاتحة لا يحمي المرأة، ولا يضمن لها حقوقها الاجتماعية، وكأنه زواج متعة، ومثلما تزوجت بالفاتحة سيتخلى عنها بالفاتحة إن كانت محظوظة، وفي أغلب الأحيان يهجرها ويتركها لمصيرها المعلق، لأن الإمام الذي يزوّجها عرفيا ليس لديه السلطة لمتابعة هذا العقد العرفي قضائيا، وتجد المرأة نفسها في صراع دائم مع الزوج من أجل إثبات زواجها منه. بالموازاة مع ذلك، فإن مصالح الحالة المدنية التابعة للبلدية تستقبل أسبوعيا العديد من ضحايا الزواج العرفي للاستفسار عن طريقة تثبيت الزواج. وفي ظل الجهل بالقانون والتهاون المسجل من قبل الزوج، تستمر المحاكم في استقبال الدعاوى المرفوعة لإثباث الزواج العرفي على مستوى قسم شؤون الأسرة التي لا تزيد عن ثلاثة أشهر للفصل فيها، حيث أشارت إحدى النساء حدثتنا في الموضوع إلى أنها بعد أربع سنوات من الزواج العرفي قررت هي وزوجها اللجوء إلى العدالة القضائية لإثبات هذا الزواج فيما تعجز مثيلاتها عن إثبات زواجهن العرفي بسبب تعنت الزوج أو تنكر الشاهدين، خاصة بعد حدوث الطلاق. وإذا كانت هناك أسباب اجتماعية ونفسية ومادية تحول دون الإقبال على عقد القران بالمصالح الرسمية، فإنه بات من الضروري، لا سيما في الوقت الراهن الذي انتشرت فيه الأمراض مثل السيدا وغيرها، تحسيس المقبلين على الزواج بأهمية عقد القران بالمصالح الرسمية، التى توجب على طالبي الزواج أن يقدما وثيقة طبية لا يزيد تاريخها عن 3 أشهر تثبت خلوهما من أي مرض أو أي عامل قد يشكل خطرا يتعارض مع الزواج، على حد تعبير أحد أطباء أمراض النساء. وعلى صعيد آخر، فإن تهاون بعض الأزواج في إثبات زواجهم لدى الجهات الرسمية يعود أساسا إلى تخوفهم من الإجراءات القانونية الخاصة بإثبات الزواج. لكن يبقى أن نذكر النساء وأولياء أمورهن بعدم اللجوء إلى الزواج العرفي مهما كانت الإغراءات أو الوعود صونا لكرامة المرأة أولا وأخيرا...