من الوفاق إلى الوفاق ··· ذكريات تسرّ الخاطر _ الجزء الأول _ إعداد: ك· مادي بمناسبة نهائي كأس الجزائر الذي سيجمع الأحد المقبل الفاتح من ماي بملعب 5 جويلية الأولمبي بين شبيبة القبائل واتحاد الحراش سنقدم لكم القصة الكاملة لتاريخ كأس الجزائر وجميع المباريات النهائية، وأسماء الفرق المتوجة، وأسماء الملاعب التي احتضنت المباريات النهائية· في هذا العدد والذي يليه، سنتحدث بإسهاب عن قصة أول نهائي لكأس الجزائر بعد الاستقلال، سنعود بكم 48 سنة إلى الوراء وبالضبط إلى عام 1963، حيث سنتعرف سويا عن مكان إجراء أول مباراة نهائية لكأس الجزائر، واسم الحكم الذي أدارها، وكيف تمكن آنذاك السطايفيون من انتزاعها بعد إعادة المباراة، كما سنتعرف عن بعض جوانب هذا اللقاء الذي وصفه الجزائريون بمثابة عيد وطني، كيف لا وأن ما كان بالأمس القريب أشبه بالمستحيل تحول إلى حقيقة، بعد أن رفرف العلم الجزائري لأول مرة في أول نهائي لكأس الجزائر المستقلة، فلنبدأ من حيث كانت الانطلاقة· هكذا كانت الانطلاقة قبل الحديث عن أول كأس للجزائر علينا أن نتوقف قليلا عند ميلاد الاتحادية الجزائرية، ففي غمرة أفراح الجزائريين بنشوة الاستقلال الذي تحقق بعد سبع سنوات ونصف السنة من الكفاح والنضال ضد المستعمر الفرنسي الغاشم، ليأتي تاريخ الخامس جويلية عام 1962 ليظهر الحق من الباطل فكان النصر حليف الشعب الجزائري بعد أن قدم أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، أقول بعد نيل الجزائر لاستقلالها في الخامس جويلية عام 1962، أسابيع قليلة من هذا التاريخ تم تأسيس الاتحادية الجزائرية وهذا في خريف نفس السنة، حيث انتخب الدكتور محند معوش رئيسا "للفاف" ودام بقاءه على رأس الاتحادية إلى أن وافته المنية عام 1972، وهو الرئيس الوحيد الذي دام بقاءه في الاتحادية عشر سنوات كاملة· بعد انتخاب محند معوش رئيسا للاتحادية تم إنشاء البطولة، وعقد أول اجتماع رسمي لأعضاء الاتحادية وتم الاتفاق بدمج جميع الأندية التي تعلن انخراطها في المنافسات الرسمية في مستوى واحد على أن يتم توزيعها على أفواج وفق الانتماء الجغرافي، كما تم الاتفاق على أن تجرى في نهاية المطاف دورة مصغرة تجمع بين أبطال المجموعات، لتحديد اسم البطل وقد حدد تاريخ انطلاقة البطولة في منتصف شهر سبتمبر من نفس العام الذي استقلت فيه الجزائر، كما تم الاتفاق أن تنطلق منافسات كأس الجزائر في منتصف شهر أكتوبر من نفس السنة، وعلى ذكر هذه المنافسة تم الاتفاق أنه في حال تعادل الفريقين في اللقاء النهائي يعاد إجراء المباراة في أجل لا يتعدى أسبوعين وفي حال انتهاء اللقاء مرة أخرى بالتعادل يلجأ الفريقان إلى ضربات الجزاء· أجريت أول قرعة لتحديد مباريات الدور الجهوي الأول لكأس الجزائر في نهاية شهر سبتمبر وقد أسفرت على مباريات محلية مثيرة· الدور الجهوي الأول دون مفاجأة لم تحمل مباريات الدور الجهوي الأول الذي لعب كما سبق الذكر في منتصف شهر أكتوبر أي مفاجأة تذكر فرغم طابع اللقاءات المحلية إلا أن الأندية التي كانت تسمى بالقوية لم تجد أدنى صعوبة في اجتياز منافسيها، نذكر منها وفاق سطيف ومولودية سعيدة واتحاد البليدة ومولودية العاصمة واتحاد العاصمة ونصر حسين داي واتحاد البليدة ومولودية قسنطينة ولا ننسى عملاق الغرب ترجي مستغانم· واصلت الأندية القوية مسيرتها المضفرة بنجاح بل بدون معاناة، حيث سجل سقوط الأندية المصنفة في المستوى الثاني وما دون كما تتساقط أشجار الخريف، لكن مع مرور الأدوار بدأت تتضح معالم الأندية القوية، والتي سرق أضواءها كل من وفاق سطيف وترجي مستغانم بتأهلهما إلى المباراة النهائية بامتياز ودون عناء· استعدادات جدية للفريقين إلى المباراة النهائية شكل وصول كل من وفاق سطيف وترجي مستغانم إلى أول نهائي لكأس الجزائر بالمفاجأة بالنظر إلى وجود فرق قوية أحسن من هذين الفريقين، وفي مقدمتهم كل من اتحاد العاصمة واتحاد عنابة ومديوني وهران ولا ننسى فريق المولودية الجزائرية والقسنطينية وشباب بلوزداد ورائد القبة والنصرية· استعد الفريقان إلى اللقاء النهائي بشكل جيد، فوفاق سطيف دخل في تربص مغلق بفندق "سركوف" المتواجد بالقرب من مدينة عين طاية فيما اختار فريق ترجي مستغانم نزل "الكيتاني" بباب الواد بالعاصمة· وكان كل فريق يتجسس عن الآخر لمعرفة نقاط قوته وضعفه، وظل المدرب الفرنسي للترجي يشبه لاعبي الوفاق بالذئاب الجائعة وهي التسمية التي رد عليها الراحل مختار عريبي حيث شبه لاعبي الترجي بقطعان من الغنم الذي تشتهي ذئابه أكل لحومها، الأمر الذي جعل اللقاء يأخذ طابعا تنافسيا خاصة في ظل الحرب النفسية التي كان يحسن شنها مدربو الفريقين· النهائي بملعب 20 أوت والحكم شكايمي بحضور الرئيس بن بلة لعب أول نهائي لكأس الجزائر يوم 28 أفريل من عام 1963، بملعب العناصر 20 أوت حاليا والذي كان ميدانه ترابية، لكن أجمل ما فيه أن الجمهور كان يتسنى له متابعة اللقاء على بعد متر واحد من خط التماس دون سياج على شاكلة ما نشاهده اليوم في الملاعب الانجليزية· 25 ماي 1963 في يوم ربيعي لم تتعد درجة الحرارة عن ال25 وعلى الساعة الثالثة ونصف أعطى الحكم خليفي الذي ساعده على خطي التماس كل من بن قنيف وشكايمي إشارة الانطلاقة أمام جمهور فاق عن ال15 ألف متفرج غالبيته من أنصار "الكحلة والبيضاء" جاءوا من مدينة عين الفوارة وما جاورها لمناصرة زملاء كوسيم وماتام وبن كاري والأخوين بولكفوف وغيرهم من نجوم الوفاق آنذاك، فيما حضر جمهور متواضع من عشاق ترجي مستغانم، هذا الفريق الذي كان يقوده الفرنسي كلافي والكهل ولد الباي الذي كان مساعدا في آن واحد للمدرب الفرنسي أوفوستان· الرئيس في الملعب قبل دقائق قليلة من انطلاقة المباراة وصل الموكب الرئاسي الذي كان يقوده الرئيس احمد بن بلة أطال الله عمره، وقد جلس بجانبه الرئيس الحالي للجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي كان رئيسا لوزارة الشباب والرياضة، وقد راجت أخبار قبل انطلاق المباراة مفادها غياب الرئيس بن بلة، وقد أطلقت الكثير من الإشاعات مفادها أن الرئيس قد تعرض إلى مكروه، لكن بوصوله وضع حد لكل الإشاعات التي كادت تفسد المباراة، بوصوله إلى ملعب 20 أوت كان لاعبو الفريقين فوق أرضية الميدان يقومون بتسخين عضلاتهم، الوفاق بزيه التقليدي الأبيض والأسود فيما دخل لاعبو الترجي بلباسهم المعروف الأبيض والأخضر، وقد لفت حضور الرئيس احمد بن بلة والوفد المرافق له لاعبي الفريقين حيث توقفوا عن تسخين عضلاتهم تحت تصفيقات حارة من أنصار الفريقين وهم يرددون بحياة الجزائر المستقلة وبحياة الرئيس بن بلة· ودخل الفريقان بالتشكيلة التالية: وفاق سطيف مثّله كل من فرشيشي وبولكلوف وقجالي، بوروبة وبولكلوف وبولكلوف و-بن كاري وبن محمود وكرميش وكوسيم وماتام. المدرب: مختار لعريبي· فيما دخل فريق ترجي مستغانم بالتشكيلة التالية: ولد موسى وبن محمد وولد باي وعصمان وسراجي و بن ساسي ومسعود وكلافي وخليل ووداني· المدربان: اوفوستان وولد الباي· لقاء قوي انتهى بدون فائز كما سبق الذكر أدار اللقاء ثلاثي تحكيم متكون من السادة خليفي بمساعدة بن قنيف وشكايمي، في تمام الساعة الثالثة ونصف، أعطى خليفي صافرة البداية والتي كانت للفريق السطايفي حتى راح لاعبو هذا الأخير يشنون الهجمة تلو الأخرى لكن جميع الفرص باءت بالفشل، لكن مع بداية الربع الأول من الشوط الأول وعلى إثر هجمة مضادة للاعبي الترجي قادها الثلاثي خليل والفرنسي كلافي وسوداني كاد هذا الأخير أن يسكن كرته في شباك الحارس فرشيسي لولا تدخل في آخر لحظة المدافع بوروبة الذي أنقذ مرماه بأعجوبة من هدف محقق أسكت أفواه السطايفيين· لقطة واحدة كانت كافية لفريق الترجي أن تدخل الرعب قلوب لاعبي الوفاق ومدربهم الراحل مختار لعريبي، الذي طالب من أشباله عدم المغامرة حتى لا يكلفهم غاليا بعد العودة القوية للاعبي الهجوم وهي العودة التي كان أن يجسدها اللاعب خليل بهدف جميل في الدقيقة ال24 فرغم خروجه وجها لوجه مع الحارس فرشيشي إلا أن قذفته جانبت بضع سنتيمترات من شباك هذا الأخير، رد عليها مهاجم الوفاق كوسيم بقذفة قوية في الدقيقة ال 29 كادت أن تجد طريقها إلى شباك الحارس المستغانمي ولد موسى· تواصلت الهجمات من الجانبين، الأمر الذي جعل الجمهور الغفير يتجاوب مع كل لقطة، لكن في الوقت الذي كان فيه الحكم خليفي يتأهب لإعلان نهاية المباراة، لاعبو الترجي وعلى إثر خطأ فادح في المراقبة من أحد مدافعي الوفاق مع حارسه فرشيشي تمكن خليل من فتح باب التسجيل وهو الهدف الذي أفرح أنصار الترجي فيما خيّم سكوتا رهيبا وسط عشاق الكحلة والبيضاء، لم يتأخر بعدها الحكم خليفي من إنهاء الشوط الأول بفوز الترجي بهدف دون رد· بعد ربع ساعة من الراحة عاد لاعبو الفريقين إلى أرضية الميدان وسط تصفيقات حارة من الجمهور الحاضر الذي أعجب بما قدمه لاعبو الفريقين خلال المرحلة الأولى، لم يختلف أداء اللاعبين خلال الشوط الثاني حيث راح كل فريق ينتهج خطة وفق ما يناسبه· الراحل لعريبي حثّ لاعبيه على الهجوم مدرب الوفاق الراحل مختار لعريبي ألح على لاعبيه انتهاج خطة هجومية قصد تعديل النتيجة، ومما قال لهم بين الشوطين: "ثقوا في أنفسكم ستهزمون فريق الترجي فالكأس لن تكون إلا لكم، لكن اعلموا إذا خسرنا فلن تعودوا إلى منازلنا"· كلام الراحل عريبي كان له الأثر الإيجابي في نفوس لاعبيه، الأمر الذي جعلهم يضاعفون من محاولاتهم لعل إحداها تصل إلى شباك الحارس ولد موسى، لكن كاد فريق الترجي أن يضاعف النتيجة، في الدقيقة ال65 إثر هجمة مرتدة قادها الثنائي خليل وكلافي هذا الأخير فوّت على فريقه فرصة إضافة الهدف الثاني بعد أن مرت قذفته فوق الإطار بشبر واحد· مدرب الترجي طالب لاعبيه بالضغط على المنافس رغم هذه الفرصة للاعبي الترجي إلا أن المدرب عريبي ألح على لاعبيه الضغط على المنافس من أجل تعديل النتيجة، كانت الدقائق تمر بسرعة على عشاق الوفاق، فلم تجد صيحاتهم للاعبي فريقهم من الوصول إلى شباك الحارس بن موسى، بل كاد مرة ثانية اللاعب خليل أن يصل مرة أخرى لشباك الحارس فرشيشي، كان ذلك في الدقيقة ال75، بعدها بثلاث دقائق كان الموعد مع هدف التعادل لفريق الوفاق وقعه اللاعب ماتام، وهو الهدف الذي فجر حناجر أنصار الوفاق وجعلهم كالبحر المتلاطم الأمواج، وسط ذهول الرئيس احمد بن بلة الذي يقال إنه تجاوب كثيرا مع هذا الهدف بوقوفه لتحية لاعبي الوفاق الذين توجهوا لتحيته فبادلهم السيد الرئيس بالتصفيقات الحارة التي زادت من لهيب المدرجات· بقية الدقائق كانت أكثر إثارة، حيث كاد كل فريق أن يضاعف النتيجة، لكن براعة الحارسين فرشيشي من جانب الوفاق وولد موسى من جانب الترجي أبقت النتيجة على حالها إلى غاية نهاية المباراة دون فائز بالتعادل هدف لمثله، ولتحديد اسم الفائز أعيد إجراء المباراة يوم 12 ماي في نفس الملعب 20 أوت· تطالعون في الجزء الثاني الوفاق ··· في الإعادة إفادة، كيف حسم الوفاق اللقاء النهائي لمصلحته، في مبارة لعبت يوم 12 ماي بملعب 20 أوت، وأمام نفس العدد من الجماهير التي حضرت النهائي الأول، ومرة أخرى طغى على مدرجات الملعب اللونين الأسود والأبيض؟· كما سنتعرف عن رد فعل رئيس الدولة آنذاك أحمد بن بلة أطال الله في عمره، من حرسه الخاص، قبل أن يسلم أول كأس في تاريخ الجزائر المستقلة لعناصر الوفاق،؟ ترى من كان له شرف تسلم أول كأس؟ تلكم من بين الأسئلة التي سنتعرف عليها في الجزء الثاني من القصة الكاملة لكأس الجزائر، ترقبوا كل هذا يوم غد بإذن الله تعالى·