حقوق الإنسان في الجزائر خلال الاحتلال الفرنسي -الحلقة الخامسة والأخيرة- بقلم: الأستاذة سميرة بيطام *نفي وترحيل الجزائريين تعتبر عمليات النفي والترحيل حاليا من الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية استهدفت هذه العمليات على وجه الخصوص المعارضين السياسيين والأشخاص الذين كانوا موضع ثقة واحترام الشعب. كان النفي من أساليب القمع التي استعملها الاستعمار الفرنسي لكسر شوكة المناضلين الجزائريين وكانت له مختلف الوجهات: جزيرة (سانت مارغريت) Sainte-Marguerite بجنوبفرنسا كالدونيا الجديدة (غويانا الفرنسية) (Guyane) وكالفي (Calvi) بكورسيكا (Corse) قبل سنة 1950 لم يكن من الضرورة محاكمة الجزائريين قبل نفيهم بل كان يكفي صدور أمر من الحاكم العام بذلك فقد كان هذا الأخير يمثل السلطة الآمرة الناهية فيما بعد أصبحت هذه القرارات تصدر عن المحاكم العسكرية دائما تحت إشراف من الحاكم العام بالجزائر . و يبقى عدد المساجين الحقيقي مجهولا إلى يومنا هذا ولكنه يفترض أن يفوق الألف بدأت جزيرة (سانت مارجريت) تستقبل معتقليها منذ سنة 1837 أي بعد مضي سبع سنوات من بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر وقد نفي إليها الكثير من قادة القبائل والكثير من المحاربين في صفوف الأمير عبد القادر أو المساندين لآرائه وذلك ما بين سنة 1847 إلى سنة 1937 وكان ذلك حال الكثير من أقرباء وأصحاب الأمير الذين تم إلقاء القبض عليهم أثناء عملية بمنطقة (الزمالة) كما حصل كذلك مع رفقاء للأمير أيضا كانوا بسفينة حول الفرنسيون مسارها واتجهوا بها إلى الجزيرة ( سانت مارجريت ). ( المراسلة العسكرية ) . اتبع هؤلاء في سنة 1882 ب 287 متخلف جزائري من بينهم قادة انتفاضة واحة العمري (قرب مدينة بسكرة ) في سنة 1876 وشيوخ من منطقة القبائل كان على رأسهم: الشيخ علي بن شيخ ( من قبيلة سيدي علي أو موسى ) والشيخ قاسي (من قبيلة الشيخ حداد ). نجد الكثير من المعلومات بخصوص هذه العمليات في العديد من المرسلات الحربية العسكرية ( سيتم نقل سجناء الحرب إلى جزيرة سانت مارجريت .30 أبريل ). قامت مليكة ونوغي دكتورة في علم الأنتربولوجيا بدراسة جديرة بالاهتمام حول قدوم المنفيين عبر الزمن: (حسب التسلسل الزمني فان أول المواكب التي حملت المغاربة باتجاه كالدونيا الجديدة وصلت سنة 1867 وكان على متنها مجموع 178 معتقل تحت نظام الحقوق المشتركة وكان هؤلاء من ثوار قبيلة (أولاد سيدي الشيخ ) التحق بهم فيما بعد المنفيون السياسيون القادمون من كل من: بلاد القبائل ( انتفاضة 1871) وقبيلة (العمري ) من منطقة بسكرة (انتفاضة 1876) الذين بلغت أعدادهم 120 معتقل ما بين سنة 1874 وسنة 1878 . جاءت فيما بعد مواكب أخرى من السجناء بتهم سياسية لاشتراكهم في ثورة جنوب الإقليم الوهراني من سنة 1881 إلى 1882 لينضم إليهم 12 معتقلا من جنسية تونسية ما بين سنة 1890 وسنة 1892 اثر انتفاضة الجنوب الفرنسي (الجريد- طبرقة ) في سنة 1881 ولد بعضهم وعاشوا في الجزائر أثناء العمليات الثورية وانتفاضات سنة 1871. نفي ما يقارب ألفي جزائري إلى ( كاليدونيا الجديدة ) في الفترة المحصورة ما بين سنة 1867 وسنة 1889 كان أغلب هؤلاء من غرب الجزائر من منطقة ( الظهرة ) على وجه الخصوص كما نستطيع تخمينه من الأسماء التالية: (عامر ولد شفة) أخذت منه في 27 أوت 1883 المساحة الأرضية رقم 35 والتي بلغت مساحتها 4.40 هكتار ( محمد ولد كسوس) أخذت منه في 27 أوت 1883 المساحة الأرضية رقم 8 والتي بلغت مساحتها 4.20 هكتار وتزوج في 15 مايو 1893 ( بشير ولد صغير) أخذت منه المساحة الأرضية رقم 40 والتي بلغت مساحتها 4.20 هكتار... الهجرة الإجبارية منذ احتلال الجزائر ظهرت نزعة واضحة في الهجرة خاصة بعد أن نكثت السلطات الفرنسية وعودها فيما يخص حرية ممارسة شرائع الدين الإسلامي واحترامها ابتداءا من الأسابيع الأولى من تواجدها ضاعفت فرنسا العمليات المعادية للإسلام بالحجز على المساجد وتحويل بعضها إلى كنائس وبمصادرة أملاك الأوقاف والحبوس التي كانت تسمح بتمويل الجوامع والتدريس الإسلامي والأعمال الخيرية . واصلت القوات الفرنسية عملياتها بالطرد لتمتد تطبيقاتها على الجزائريين طالت هذه العمليات العلماء والمثقفين على وجه الخصوص كانت تلك هي حالة مصطفى الكبابتي الذي نفي من طرف الفرنسيين بسبب معارضته للتعليم باللغة الفرنسية في المدارس القرآنية حمدان خوجة وجيه من الوجهاء ومؤلف كتاب ( المرآة) (Miroir) أجبر على الذهاب إلى باريس ومن ثم إلى أسطنبول بعد أن صودرت أغلبية ممتلكاته من طرف القوات العسكرية وقد كان قد قصد العاصمة الفرنسية في بعثة مكونة من ثلاثة أشخاص كان الهدف منها تحسيس الرأي العام الفرنسي وإعلامه بالطرق الظالمة التي كان الاستعمار ينتهجها المفتي حنفي بن العنابي اتهم من طرف (كلوزيل) بتهديد أمن الدولة في الجزائر فنفي بدوره إلى الإسكندرية بعد أن تلقى أمرا بالرحيل من الجزائر فورا وتوسط الكثير لصالحه حتى يمنح مهلة عشرين يوما قبل الرحيل عمليات الطرد هذه حرمت الجزائر وأفرغتها من طبقتها المتعلمة والمثقفة ومن رجال الدين في أقل من سبع سنوات و لكن العملية تواصلت خلال القرن التاسع عشر بأكمله . في 11 أكتوبر 1845 قام الجنرال ( بيجو ) باقتراح نفي القبائل المهاجرة إلى الأبد فكتب الحاكم العام في الجزائر رسالة إلى وزير الحرب الفرنسي:( أرغب في الحكم على كل القبائل التي لا تعود إلى الوطن قبل نهاية شهر نوفمبر بالنفي المؤبد وبمصادرة كل أراضيهم وضمها إلى أملاك الدولة ). وافق وزير الحرب على هذا الاقتراح وجاء جوابه في الثاني عشر من شهر أكتوبر ( حكومة الملك تأيد قراركم هذا وتسمح لكم بإعلانه ). خلاصة فان العمليات القمعية التي بادر بها الاستعمار أجبرت الجزائريين على الرحيل والهجرة استحسنت السلطات الفرنسية هذه الهجرات رغم أنها كانت تفرض على الأهالي الحصول على تراخيص مسبقة غير أن الإجراءات كانت شكلية وقد أبدت بعض التحفظات السياسية والديبلوماسية لكنها سرعان ما كانت تعدل عنها أمام الأرباح التي كانت تحصل عليها: ( تخفيض عدد الأهالي الأصلية مع كل ما ينتج عن ذلك من خفض حدة المقاومة وتحرير أراضي جديدة هو إمكانية إذن لاستقرار المستوطنين الجدد ). التجنيد الإجباري أصبحت المصلحة العسكرية مؤسسة عمومية منذ نهاية القرن الثامن عشر كانت عمليات التوظيف تتم بالقرعة والمناوبات: تحت إشراف الجمهورية الثالثة جاءت العديد من التعديلات وعلى الأخص في سنة 1872 1889 وسنة 1905 بهدف إشراك المزيد من الجزائريين في الدفاع عن فرنسا فظهر مبدأ المساواة آنذاك لقد كان هذا التطور من البوادر التي سمحت بالتنبؤ بما كان سيحصل في المستوطنات . جاء قانون السابع من أوت 1913 لإلغاء مبدأ سحب القرعة والمناوبات إذ كان لابد أن تكون ضريبة الدم نفسها على الجميع بالإضافة إلى تمديد مدة الخدمة العسكرية إلى سنتين إلى ثلاثة سنوات . حرب الجزائر والعدالة كانت العدالة المطبقة على الجزائريين في معظم الأحيان ضدهم وكان يحددها لمدة طويلة القضاء العسكري الذي قد يعتبر سخرية قضائية اذ أن الحكم يأخذ قبل أن يجزم من طرف المحكمة أحد الأمثلة اللافتة للانتباه هو بالتأكيد حكم زعيم قبيلة العوفية صباح يوم 6 أفريل 1932 تلقت القوات المسلحة الاستعمارية أمرا من الدوق ( دي روفيغو De Rovigo بقتل رجال نساء وأطفال القبيلة وعرض الزعيم بصحبة واحد أو اثنان من أبناء قبيلته الذين كانوا غائبين يوم المجزرة على مجلس الحرب الذي حكم عليهم بالإعدام ( توقعنا على الأقل أن يسامحوا ولكن الدوق دي روفيغو رفض رفضا مطلقا مشيرا إلى أنه مثال ضروري للبقية وأعدم المساكين . استعاد الجيش خلال حرب التحرير مهمة الشرطي التي كانت سابقا خلال القرن التاسع عشر وظيفته و أراد أيضا فرض وجهات نظرة السياسة وهكذا عشية رحيله من الجزائر العاصمة في اليوم التاسع من شهر ماي 1958 على الساعة السادسة مساء استقبل الوزير المقيم روبرت لاكوست Robert Lacoste في مكتبه القائد سالان Salan جوهودJouhaud الارد ( Allard) ماسو(Massu ) والأميرال ابوين (Au Boyneau) وتلقى من أياديهم برقية موجهة إلى الرئيس (روني كوتي) تحت إشراف الجنرال ايلي (Ely) وجاء في مضمونها: الجيش الفرنسي بالإجماع يشعر بالاهانة لهجرة هذا التراب الوطني ولا يمكن وصف مدى يأسه . كانت قراءة مختصرة من كتاب قيم لأستاذ مشبع بالوطنية مفعم بحب الوطن تحية لكل فخور وغيور على بلده تحية تقدير لكل من ناضل ولا يزال يناضل من أجل أن تبقى الجزائر حرة مستقلة . المجد والخلود لشهدائنا الأبرار عاشت الجزائر حرة مستقلة.