** كانت أمي مريضة، وقال لها الأطباء إنها لا تستطيع الحج؛ لأنها لا تستطيع تحمل مشقة الحج، فذهب والدي للحج نيابة عنها و كان قد أدى فريضة الحج سابقا. واليوم وبعد مرور خمس سنوات تحسنت حالتها وأصبحت قادرة على الحج، فهل يجب أن تعيد الحج بنفسها أم أن قيام والدي بالحج نيابة عنها قد أسقط عنها الفريضة؟ * في هذه المسألة خلاف بين العلماء، فالمالكية لا يجيزون النيابة أصلا، فلذلك لما يعالجوا هذه المسألة، والحنفية يرون أن المريض لا تبرأ ذمته وعليه إعادة الحج، والحنابلة ذهبوا إلى تفصيل وجيه، مؤداه أن المريض إذا عوفي بعد فراغ النائب من الحج فلا إعادة عليه- كما هو الحال مع والدتك- وأما إذا عوفي قبل الفراغ فعليه أن يبلغ النائب بالتوقف ليحج هو عن نفسه، وهو ما نفتي به. جاء في الموسوعة الفقهية: ومن أحج عن نفسه للعذر الدائم، ثم زال العذر قبل الموت، فعند الحنفية لم يجز حج غيره عنه، وعليه الحج; لأن جواز الحج عن الغير ثبت بخلاف القياس، لضرورة العجز الذي لا يرجى زواله، فيتقيد الجواز به. وعند الحنابلة يجزئ حج الغير، ويسقط عنه الفرض; لأنه أتى بما أمر به فخرج من العهدة، كما لو لم يبرأ. لكن ذلك مقيد بما إذا عوفي بعد فراغ النائب من الحج، فإذا عوفي قبل فراغ النائب فينبغي أن لا يجزئه الحج; لأنه قدر على الأصل قبل تمام البدل، ويحتمل أن يجزئه، وإن شفي قبل إحرام النائب لم يجزئه بحال. وللشافعية قولان بالإجزاء وعدمه.... والمشهور عند المالكية أنه لا تجوز النيابة في الحج مطلقا. انتهى. وجاء في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" للشيخ العلامة ابن العثيمين رحمه الله: لو أن المنيب، الذي كان مريضاً، وكان يظن أن مرضه لا يرجى برؤُه عافاه الله عزّ وجل بعد أن أحرم النائب، فإن الحج يجزئ عن المنيب فرضاً؛ لأن المنيب أتى بما أمر به من إقامة غيره مقامه، ومن أتى بما أمر به برئت ذمته مما أمر به، وهذا واضح. وفُهم من كلام المؤلف أنه إن عوفي قبل الإحرام فإنه لا يجزئ عن المنيب؛ لأنه لم يشرع في النسك الذي هو الواجب، فصار وجوب الحج على المنيب بنفسه قبل أن يشرع هذا في النسك الذي أنابه فيه فلزمه أن يحج بنفسه. ولكن يبقى عندنا إشكال وهو أن هذا النائب قد تكلف، وسافر إلى مكة ووصل إلى الميقات، ولكنه لم يحج بعد، فماذا تكون حاله بالنسبة إلى النفقة ذهاباً وإياباً؟ ثم إن هذا النائب، سوف يقول في إحرامه: لبيك عن فلان. وجواب هذا الإشكال: أنه إذا علم النائب بأن المنيب قد عوفي قبل أن يُحرم، فما فعله بعد ذلك فهو على نفقته؛ لأنه علم أنه لا يجزئه حجه عن منيبه، وأما ما أنفقه قبل ذلك من النفقات فإنه على المنيب. مثاله: رجل أنفق منذ سافر من البلد إلى أن وصل إلى الميقات ألف دولار، ثم عوفي صاحبه قبل أن يحرم، فلا يجزئ أن يحرم عنه، فعلى المنيب ألف دولار، لأنه أنفقها بأمره قبل أن تنتهي مدة إنابته، وما بعد ذلك يكون على النائب إن استمر في السير، وأما إذا رجع فنفقة الرجوع على المنيب؛ لأن هذا النائب إنما سعى من البلد لمصلحة المنيب، فما غرمه فإنه يكون على المنيب، وبذلك يزول الإشكال. فإن قدر أن النائب لم يعلم بشفاء صاحبه واستمر، وأدى الحج، فما الحكم؟ نقول: هذا الحج لا يجزئ عن المنيب، لكنه يكون نفلاً في حقه، وتلزم المنيب الأجرة التي قدرها للنائب؛ لأن هذا النائب لم يعلم، وتصرف الوكيل قبل علمه بانفساخ الوكالة، أو زوالها يكون صحيحاً نافذاً، كما لو وكلت شخصاً يبيع لك شيئاً، ثم عزلته عن الوكالة، ولم يعلم بالعزل حتى تصرف، فإن تصرفه يكون صحيحاً بناءً على الوكالة الأولى التي لم يعلم بأنها فسخت.