تواجه البوسنة المسلمة حاليًا أسوأ أزمة تمرُّ بها منذ أن وَضعت الحرب أوزارها قبل 16 عامًا، وذلك بسبب السياسات الصربيَّة الانفصاليَّة الهادفة إلى شلّ حركة البلاد, بل إن كثيرًا من الدبلوماسيين الأوربيين والدوليين حذَّروا بأن هذه الأزمة السياسيَّة تهدد بتمزيق البوسنة تمامًا. وقد فجَّر هذه الأزمةَ, الاستفتاءُ الذي دعا إليه ميلوراد دوديك, رئيس ما يُسمى "جمهورية صرب البوسنة" أو (صربسكا), على محكمة الدولة لجرائم الحرب، وعلى عمل القضاة والمدعين العامين في البلاد، وفي هذا السياق, قال فالنتين انزكو, المندوب الدولي السامي في البوسنة, إنه سيعمل جاهدًا على وقف هذا الاستفتاء, مشيرا إلى إمكانية فرض عقوبات ثقيلة من قبل الاتحاد الأوروبي على دوديك وزمرته إذا لم يتراجعْ عن التصويت على هذا الاستفتاء, والذي وافق البرلمان الصربي البوسني عليه بأغلبية كبيرة هذا الشهر. كما وصف انزكو الأزمة "بأنها أخطر الأزمات التي تمرُّ بها البوسنة بالتأكيد منذ توقيع اتفاق دايتون, الذي وضع حدا للحرب التي استمرت أربع سنوات حتى عام 1995, مضيفا أن "هذا لن يحدث قبل التخطيط لهذا الاستفتاء, والقصد من ذلك هو دحر كل الإنجازات, كما أنه يتحدَّى دور الانتداب السامي, وسيكون هجومًا مباشرًا على اتفاقية دايتون". أما دوديك, رئيس الكيان التابع للصرب من البوسنة، المعروف باسم جمهورية "صربسكا", فقد تعهد بأنه لن يتراجع وأن التصويت سيمضي قدما, قائلا: "لقد دعينا إلى الاستفتاء بعدما رأينا أن المحكمة والنيابة العامة منحازان ضدّ الصرب؛ فكان لا بدَّ من رفض سلطة محكمة جرائم الحرب الدوليَّة"، بل وزعم أن القيادة الإسلاميَّة في البوسنة عازمة, بدعم دولي, على إقامة ما يسمِّيه "دولة الاستبداد الإسلاميَّة؟". وبانتظام عُرف عن دوديك توبيخه للمبعوثين الدوليين, الذين حاولوا إدارة البوسنة منذ التسعينيات, كما صرح دوديك مرارا وتكرارا أنه لا يوجد ولاء لدولة تسمى "البوسنة والهرسك", متسائلا دومًا عن صلاحيات هذه الدولة وقدرتها على البقاء, لذا فإن الاستفتاء يُنظر إليه باعتباره الخطوة الأكثر زعزعة للاستقرار نحو تفكيك البوسنة, والتي قد تؤدِّي إلى حربٍ في القريب العاجل. وردا على تصريحات دوديك المثيرة للجدل, حذَّره مبعوث الاتِّحاد الأوروبي الجديد للبلقان, ميروسلاف لاجاك, تاليًا عليه نصَّ قانون مكافحة الشغب وطالبه بإلغاء التصويت على الاستفتاء, وفقًا لما اتَّفق عليه كبار الدبلوماسيين الأوربيين. كما أشار انزكو المبعوث الدولي للبوسنة إلى أن المجتمع الدولي عازم على مواجهة دوديك وأنه ربما يضطر إلى استدعاء سلطاته الرسمية لوقف الاستفتاء, لذا فقد منح صرب البوسنة مهلة دولية لإلغاء قرار إجراء الاستفتاء على عمل محكمة جرائم الحرب والمدعين الخاص, كما هدد بفرض عقوبات عليهم إذا ما قاموا بإجرائه. ومن المتوقَّع أن يوجه لاجاك تحذيرًا إلى دوديك بأنه إذا تحدى الحظر الدولي للاستفتاء, فإنه قد يواجه عقوبات الاتحاد الأوروبي على غرار تلك التي فرضت على الرئيس روبرت موغابي والزعيم الليبي معمر القذافي، وذلك بفرض المنع من السفر وتجميد أرصدته والحسابات المصرفية. وبعد لقائه مع دوديك, رئيس جمهورية "صربسكا", قال باتريك مون السفير الأمريكي في البوسنة: "إن الاستفتاء على عمل القضاة والادعاء العام يعتبر انتهاكا لاتفاقية دايتون وإجراء غير شرعي وخطوة في الاتجاه الخاطئ" مشيرًا إلى "أن أي خطوة أو إجراء يتعلَّق بمؤسَّسات الدولة ينبغي أن يتمَّ عبر حوار بين جميع الأطراف في البوسنة". ومن المرجح أن يفاقم النزاع الأوربي مع دوديك الأزمة في البوسنة مما قد يهدد بتمزيق البلاد وشلّ حركتها تمامًا, حيث أن البلاد تعاني من الجمود مع عدم وجود انفراج في الأفق منذ انتخابات أكتوبر الماضي دون وجود حكومة مركزية طيلة السبعة أشهر الماضية. وقد وصف جيمس كلابر, مدير المخابرات الوطنية الأمريكيَّة، البوسنة بأنها "التحدي الرئيسي للاستقرار في أوروبا هذا العام", مضيفا أن البلاد ستظل: "في حالة من الفوضى, طالما أن العرقية الصربيَّة تواصل حديثها عن الانفصال عن البوسنة وذلك لإثارة المشاعر". جدير بالذكر أن جمهورية البوسنة والهرسك تنقسم إلى كيانين يتمتع كلاهما بحكم شبه ذاتي، وهما جمهورية صرب البوسنة والبوسنة والهرسك التي تجمع المسلمين والكروات, والذين يطالبون بأن يكون لهم كيانٌ منفصل بعد تقسيم البلاد إلى ثلاث كيانات موازية للفصائل العرقية, وهو ما استغله دوديك لتشجيع هذه المطالب للإسراع في تقسيم البوسنة التي يراها دوما دولة "غير شرعية" و"غير عملية" على أرض الواقع. من جانبهم قال دبلوماسيون كبار في سراييفو إن هذا الاستفتاء الذي يسعى إليه دوديك سيكون بمثابة انتصار متأخر لسلوبودان ميلوسيفيتش ورادوفان كاراديتش, زعيمي الصرب اللذين قادا الحرب ضد المسلمين والأبرياء وكانا سبباً في تدمير البلاد, والمتهمين بارتكاب الإبادة الجماعيَّة, لذلك قال أحد الدبلوماسيين الأوربيون: إن هذا الانقسام "يعني أن مذبحة سريبرينيتسا (والتي قتل فيها صرب البوسنة 8000 مسلم) ستكون خارج الأرض البوسنيَّة التابعة للمسلمين, مضيفًا "أن المجتمع الدولي لن يقبل بذلك". * قال دبلوماسيون كبار في سراييفو إن هذا الاستفتاء الذي يسعى إليه دوديك سيكون بمثابة انتصار متأخر لسلوبودان ميلوسيفيتش ورادوفان كاراديتش, زعيمي الصرب اللذين قادا الحرب ضد المسلمين والأبرياء وكانا سبباً في تدمير البلاد, والمتهمين بارتكاب الإبادة الجماعيَّة, لذلك قال أحد الدبلوماسيين الأوربيون: إن هذا الانقسام "يعني أن مذبحة سريبرينيتسا (والتي قتل فيها صرب البوسنة 8000 مسلم) ستكون خارج الأرض البوسنيَّة التابعة للمسلمين, مضيفًا "أن المجتمع الدولي لن يقبل بذلك". بقلم: إيان تراينور