** كنت قد استعرت كتابا من صديقتي، وقد سألتني عنه فقلت لها: إنني رددت الكتاب إليها فقالت لم تردي إليّ كتابي؛ فأقسمت لها بالله أني رددته إليها وكنت متأكدة من ذلك، وعندما رجعت إلى البيت وأنا أقلب في مكتبتي إذا بي أجد كتاب صديقتي؛ فاعتذرت لها عما كان من أمري ورددت عليها كتابها، وعلم الله أنني لم أقصد الكذب؛ فماذا عن هذا اليمين الذي صدر مني، وهل أنا آثمة؟ وهل تجب عليّ كفارة؟ * يمين اللغو لها صورتان الأولى: أن يحلف المسلم على شيء دون أن يقصد اليمين، وكما قالت أم المؤمنين عائشة: لغو اليمين قول الإنسان: لا والله وبلى والله. الثانية: أن يحلف على شيء يعتقد أنه صواب فيتبين أن الأمر على خلاف ما ظن أنه الصواب، وذلك كأن يحلف أن الشمس لم تشرق أو أن الفجر لم يدخل وقته بناء على إشارة الساعة التي في يده فإذا الفجر قد دخل وقته والشمس قد أشرقت؛ لأن الساعة التي كانت في يده كان بها خلل. وبناء على ما سبق فما كان من أمر الأخت السائلة هو من باب يمين اللغو، فأنت لم تتعمدي الكذب ولكن يمينك كان بناء على أمر غلب على ظنك، ثم تبين لك خلافه، ويبقى السؤال: هل في يمين اللغو إثم وهل تجب فيه كفارة؟ والجواب: يمين اللغو لا إثم فيها ولا خلاف في هذا بين أهل العلم؛ لقوله سبحانه: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) البقرة:225. أما الكفارة: فالذي عليه جمهور أهل العلم أن من حلف على شيء يظنه ثم يتبين له خلافه فمع التسليم بأن هذه الصورة تندرج تحت يمين اللغو إلا إنهم اختلفوا في وجوب الكفارة على قولين: الأول: وهو ما عليه جمهور الفقهاء أن يمين اللغو ليس فيها كفارة، وقد روي هذا عن جمع من فقهاء الصحابة والتابعين. والقول الثاني: ذهب إلى من حلف على شيء يظنه ثم تبين له خلافه أن هذه اليمين مع التسليم بأنها يمين لغو إلا أنه يجب فيها الكفارة وقد حكي هذا عن النخعي وهو أحد قولي الشافعي. والراجح هو أن يمين اللغو لا إثم فيها ولا كفارة؛ للآية التي سبق ذكرُها. قال ابن قدامة في المغني: ومن حلف على شيء يظنه كما حلف، فلم يكن، فلا كفارة عليه؛ لأنه من لغو اليمين، أكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها قاله ابن المنذر. يروى هذا عن ابن عباس، وأبي هريرة، وأبي مالك، وزرارة بن أوفى، والحسن، والنخعي، ومالك، وأبي حنيفة، والثوري. وممن قال: هذا لغو اليمين. مجاهد، وسليمان بن يسار، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه. وأكثر أهل العلم على أن لغو اليمين لا كفارة فيه. وقال ابن عبد البر: أجمع المسلمون على هذا. وقد حكي عن النخعي في اليمين على شيء يظنه حقا، فيتبين بخلافه، أنه من لغو اليمين، وفيه الكفارة. وهو أحد قولي الشافعي. وروي عن أحمد، أن فيه الكفارة، وليس من لغو اليمين؛ لأن اليمين بالله - تعالى - وجدت مع المخالفة، فأوجبت الكفارة، كاليمين على مستقبل. ولنا، قول الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}. وهذه منه، ولأنها يمين غير منعقدة، فلم تجب فيها كفارة، كيمين الغموس، ولأنه غير مقصود للمخالفة، فأشبه ما لو حنث ناسيا.