السؤال: يقول سبحانه وتعالى: »لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم« (المائدة: 89) فهل الحلف بالكعبة والشرف والأب، من اللغو؟ أم أن اللغو هو الحلف بالله لغير حاجة؟ - يجيب فضيلة الشيخ القرضاوي عن هذا السؤال بالقول: الحلف بغير الله حرام، منهي عنه شرعًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المسلم أن يحلف بأبيه وقال: »لا تحلفوا بآبائكم. من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليَذَرْ«. وقال: »من حلف بغير الله فقد أشرك«. لأن الحلف نوع من التعظيم للمحلوف به، ولا يجوز أن يعظم المؤمن غير الله عز وجل. فلهذا لا يجوز أن يحلف بالكعبة بل يحلف برب الكعبة، ولا يجوز أن يحلف بالنبي أو الولي أو بقبر أبيه أو بشرفه أو بحياة ولده أو بتراب وطنه، أو بشيء من ذلك.. كل هذا لا يجوز، وإنما الحلف بالله فقط. هذا هو الذي جاء به الإسلام. وهو نوع من تحرير العقيدة وتحرير التوحيد. وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقًا. لأنه يرى أن سيئة الشرك مع الصدق أشد من سيئة الكذب مع التوحيد، فإنه إذا حلف بالله فقد عظمه ووحّده. ويبقى عليه إثم الكذب - إذا حلف كاذبًا- ولكن إذا حلف بغير الله فقد أشرك، فيكون عليه إثم الشرك، وهو عظيم، وله ثواب الصدق وهو ضئيل بالنسبة إلى إثم الشرك الذي ارتكبه. فالتوحيد أهم من الصدق في ذلك، ولهذا لا يجوز للمسلم أن يحلف إلا بالله عز وجل. وليس هذا هو معنى اللغو، ولكن اللغو له معنيان: الأول: أن يجري اسم الله على لسانه دون أن يقصد الحلف حقيقة. كأن يقول مثلاً: بالله تفضل عندنا، والله لتأكلن هذه.. وما إلى ذلك.. فهو بهذا لا يعقد في نفسه يمينًا ولا قسمًا، وإنما يجري على لسانه بالعادة وكثرة الاستعمال. والمعنى الآخر للغو هو: أن يحلف الإنسان على شيء، يظنه حقًا فيظهر أنه على غير ما يظن. كأن يرى إنسانًا عن بُعد فيقول: والله هذا فلان قادم. ثم يتبين أنه غير الذي ظنه أو يحلف أن الشيء الفلاني هو كذا على حسب ظنه، ثم يتبين خلاف ظنه. إنه رجح واجتهد وحلف على ما يظن أنه الحق، ثم ظهر الأمر على خلاف ما ظن. فهذا ضرب من اللغو وليس فيه إثم. إنما الإثم في اليمين الغموس أو اليمين المنعقدة إذا حنث فيها. فالأيمان ثلاثة: يمين اللغو، وهي التي تحدثنا عنها، واليمين الغموس، وسميت كذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم في الدنيا، وفي النار في الآخرة. وذلك أن يحلف متعمدًا الكذب، كأن يقول: والله ما أخذتُ منك شيئًا، وهو قد أخذ أو استدان، ويذكر ذلك جيدًا ولا ينساه. أو يحلف أنه لم يعمل الشيء الفلاني وهو قد عمله. هذه هي اليمين الغموس، أو اليمين الفاجرة التي تذر الديار بلاقع. واليمين الثالثة: هي اليمين المنعقدة: وهي أن يحلف الإنسان على أمر مستقبل، في أن يفعل كذا أو لا يفعل كذا. يحلف أن لا يذهب إلى المكان الفلاني، ثم إذا ذهب بعد ذلك إلى نفس المكان يكون قد حنث.. »ولكن يؤاخذكم بما عقدّتم الأيمان«. كثير من الأيمان التي يقع فيها الناس هي من هذا النوع الأخير كأن يحلف عازمًا على أمر في المستقبل، أن يفعل أو لا يفعل. فهذه هي اليمين المنعقدة، التي تترتب الكفارة على الحنث فيها. وهذا إذا كان الحلف بالله تعالى. أما الحلف بغيره فهو حرام بل كبيرة كما بيّنا، وليس له كفارة إلا التوبة النصوح والعمل الصالح.