الشيء الذي تقف العلمانية ضده بكل صراحة وقوة فهو الشريعة التي تنظم بأحكامها الحياة الإسلامية وتضع لها الضوابط الهادية والعاصمة من التخبُّط والانحراف سواء في ذلك ما يتعلق بشؤون الأسرة الأحوال الشخصية أو المجتمع أو الدولة في علاقاتها الداخلية أو الخارجية السلميَّة أو الحربية وهو ما عني به الفقه الإسلامي بشتى مدارسه ومختلف مذاهبه وخلّف لنا فيه ثروة تشريعية طائلة تغنينا عن استيراد القوانين من غيرنا وهي قوانين لم تنبت في أرضنا ولم تنبع من عقائدنا وقيمنا وأعرافنا وهي بالتالي تظل غريبة عنا مرتبطة في أذهاننا وقلوبنا بالاستعمار الدخيل الذي فرضها علينا دون إرادة ولا اختيار منا. هذا هو حال القوانين الوضعية بالنسبة لنا ولكن العلمانية تقبلها وترفض شريعة الله تتبنى الزنيم وتنفي نسب الابن الأصيل. فهي تأخذ من الإسلام ما يوافق هواها وتعرض عما يخالف هواها تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض وهو ما صنعه بنو إسرائيل قديمًا فقرعهم الله أشد التقريع حين قال: }أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِل عَمَّا تَعْمَلُونَ{ (البقرة: 85). وبهذا تناصب العلمانية العداء للدين أعني للإسلام الذي أنزله الله نظامًا شاملاً للحياة كما أن الإسلام يناصبها العداء أيضًا لأنها تنازعه سلطانه الشرعي في قيادة سفينة المجتمع وتوجيه دفتها وفقًا لأمر الله ونهيه والحكم بما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم. وإذا لم يحكم المجتمع بما أنزل الله سقط - لا محالة - في حكم الجاهلية. - الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه